لم آتك بهذا ، فحزن رسول الله (ص) إلى أن نزلت هذه الآية ، وهذا أيضا ضعيف من وجوه : أحدها : أنه لو جاز هذا السهو لجاز في سائر المواضع ، وحينئذ تزول الثقة عن الشرع.
وثانيها : أن الساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الالفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقتها ومعناها ، فإنا نعلم بالضرورة أن واحدا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها.
وثالثها : هب أنه تكلم بذلك سهوا ، فكيف لم ينتبه (٢) لذلك حين قرأها على جبرئيل عليهالسلام وذلك ظاهر.
وأما الوجه الثاني فهو أنه صلىاللهعليهوآله تكلم قسرا بذلك فهو الذي قال قوم : إن الشيطان أجبر النبي صلىاللهعليهوآله على التكلم به ، وهذا أيضا فاسد لوجوه :
أحدها : أن الشيطان لو قدر على ذلك في حق النبي (ص) لكان اقتداره علينا أكثر ، فوجب أن يزيل الشيطان الناس عن الدين ، ولجاز في أكثر ما يتكلم به الواحد منا أن يكون ذلك بإجبار الشيطان.
وثانيها : أن الشيطان لو قدر على هذا الاجبار لارتفع الامان عن الوحي ، لقيام هذا الاحتمال.
وثالثها : أنه باطل بدلالة قوله تعالى حاكيا عن الشيطان : « وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم (٣) » وقال تعالى : « إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه (٤) » وقال : « إلا عبادك منهم المخلصين (٥) » ولاشك أنه (ص) كان سيد المخلصين.
وأما الوجه الثالث وهو أنه صلىاللهعليهوآله تكلم بذلك اختيارا وههنا وجهان :
___________________
(١) هكذا في نسخة المصنف ، والصواب كما في غيرها وفى المصدر : لم يتنبه.
(٣) ابراهيم : ٢٢.
(٤) النحل ٩٩ و ١٠٠.
(٥) الحجر : ٤٠.