الثالث : تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي أو الالهام من الله تعالى.
الرابع ، مؤاخذته على ترك الاولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا ، بل يضيق عليه الامر في غير الواجب من الامور الحسنة ، فإذا اجتمعت هذه الامور كان الانسان معصوما ، والمصنف رحمهالله اختار المذهب الثاني ، وهو أن العصمة لا تنافي القدرة ، بل المعصوم قادر على فعل المعصية ، وإلا لما استحق المدح على ترك المعصية ولا الثواب ، ولبطل الثواب والعقاب في حقه ، فكان خارجا عن التكليف ، وذلك باطل بالاجماع وبالنقل في قوله تعالى : « قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي » انتهى (١).
وقال السيد المرتضى رحمهالله في كتاب الغرر والدرر : ما حقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للانبياء والائمة عليهمالسلام؟ وهل هي معنى يضطر إلى الطاعة ، ويمتنع من المعصية (٢) ، أو معنى يضام الاختيار؟ فإن كان معنى يضطر إلى الطاعة ويمتنع من المعصية فكيف يجوز الحمد والذم لفاعلهما؟ وإن كان معنى يضام الاختيار فاذكروه ودلوا على صحة مطابقته له ووجوب اختصاص المذكورين به دون من سواهم ، فقد قال بعض المعتزلة : إن الله تعالى عصم أنبياءه بالشهادة لهم بالاستعصام ، كما ضلل قوما بنفس الشهادة (٣) ، فإن يكن ذلك هو المعتمد أنعم بذكره ودل على صحته وبطلان ما عساه فعله من الطعن عليه ، وإن يكن باطلا دل على بطلانه وصحة الوجه المعتمد فيه دون ما سواه.
الجواب : اعلم أن العصمة هي اللطف الذي يفعله الله تعالى ، فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح ، فيقال على هذا : إن الله عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح ، ويقال : إن العبد معصوم ، لانه اختار عند هذا الداعي الذي فعل له ، الامتناع من القبيح ، وأصل العصمة في موضوع اللغة : المنع ، يقال : عصمت فلانا من السوء : إذا منعت من حلوله به ، غير أن المتكلمين أجروا هذه اللفظة على من امتنع باختياره عند اللطف الذي يفعله الله تعالى به ، لانه إذا فعل به ما يعلم أنه يمتنع عنده من فعل القبيح
___________________
(١) شرح التجريد : ٢٠٤ و ٢٠٥.
(٢) في المصدر : ويمنع من المعصية. وكذا فيما بعده.
(٣) في المصدر : بنفس الشهادة عليهم بالضلال.