المشركين كانوا إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول الله (ص) والقرآن ، فشتموا واستهزؤا فأمرهم أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انتهى (١).
وأما النسيان في الآية الثانية فيحتمل (٢) أن يكون المراد به الترك ، كما ورد كثيرا في الآيات ، وهو مصرح به في كتب اللغة ، والآية الثالثة إخبار بعدم النسيان ، وأما الاستثناء بالمشية فقال البيضاوي : « إلا ما شاء الله » نسيانه بأن ينسخ تلاوته ، و قيل : المراد به القلة والندرة ، لما روي أنه (ص) أسقط آية في قراءته في الصلاة ، فحسب ابي أنها نسخت فسأله فقال : نسيتها ، أو نفي النسيان رأسا فإن القلة تستعمل للنفي انتهى (٣).
وقال الرازي في تفسيره : قال الواحدي : « سنقرئك » أي سنجعلك قاريا بأن نلهمك القراءة « فلا تنسى » ما تقرؤه وكان جبرئيل لا يفرغ من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله مخافة النسيان ، فقال الله : « سنقرئك فلا تنسى » أي سنعلمك هذا القرآن حتى تحفظه ، ثم ذكروا في كيفية ذلك وجوها :
أحدها : أن جبرئيل سيقرأ عليك القرآن مرات حتى تحفظه حفظا لا تنساه.
وثانيها : أنا نشرح صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظه بالمرة الواحدة حفظا لا تنساه (٤) ، وقيل : قوله : « فلا تنسى » معناه النهي ، والالف مزيدة للفاصلة ، يعني فلا تغفل عن قراءته وتكريره (٥) أما قوله : « إلا ما شاء الله » ففيه احتمالان :
أحدهما : أن يقال : هذه الاستثناء غير حاصل في الحقيقة ، وأنه لم ينس بعد نزول
___________________
(١) مفاتيح الغيب ٤ : ٩٢.
(٢) احتمال بعيد لا يوافق سياق الآية ومعناها.
(٣) أنوار التنزيل ٢ : ٥٩٨.
(٤) في المصدر : وثالثها : انه تعالى لما أمره في أول السورة بالتسبيح فكأنه تعالى قال : واظب على ذلك ودم عليه ، فانا سنقرؤك القرآن الجامع لعلوم الاولين والاخرين ، ويكون فيه ذكرك وذكر قومك ، ونجمعه في قلبك ، ونيسرك لليسرى وهو العمل به.
(٥) في المصدر : والقول المشهور أن هذا خبر ، والمعنى سنقرؤك إلى أن تصير بحيث لا تنسى وتأمن النسيان.