وذلك أنهم جادلوه حين اسري به ، فقالوا : صف لنا بيت المقدس ، وأخبرنا عن عيرنا في طريق الشام « ولقد رآه نزلة اخرى » أي جبرئيل في صورته نازلا (١) من السماء نزلة اخرى وذلك أنه راه مرتين في صورته « عند سدرة المنتهى » أي رآه محمد وهو عند سدرة المنتهى ، وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة ، انتهى إليها علم كل ملك (٢) وقيل : هي شجرة طوبى « إذ يغشى السدرة ما يغشى » قيل : يغشاها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة ، وروي أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكا قائما يسبح الله تعالى ، وقيل : يغشاها من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الابصار ما ليس لوصفه منتهى ، وقيل : يغشاها فراش (٢) من ذهب عن ابن عباس ، وكأنها ملائكة على صورة الفراش يعبدون الله تعالى ، والمعنى أنه رأى جبرئيل على صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة ، من أمر الله ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها. « ما زاغ البصر وما طغى » لم يمل بصره يمينا وشمالا ، وما جاوز القصد ، ولا الحد الذي حد له « لقد رأى من آيات ربه الكبرى » مثل سدرة المنتهى ، وصورة جبريل ورؤيته وله ستمائة جناح قد سد الافق بأجنحته ، وقيل : إنه رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنة قد سد الافق انتهى كلامه رفع الله مقامه (٤).
وأقول : اعلم أن عروجه صلىاللهعليهوآله إلى بيت المقدس ثم إلى السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف مما دلت عليه الآيات والاخبار المتواترة من طرف الخاصة والعامة ، وإنكار أمثال ذلك أو تأويلها بالعروج الروحاني أو بكونه في المنام ينشأ إما من قلة التتبع في آثار الائمة الطاهرين ، أو من قلة التدين وضعف اليقين ، أو الانخداع بتسويلات المتفلسفين ، والاخبار الواردة في هذا المطلب لا أظن مثلها ورد في شئ من اصول المذهب ، فما أدري
__________________
(١) في المصدر : في صورته التى خلق عليها نازلا.
(٢) في المصدر : بعد ذلك : وقيل اليها ينتهى ما يهبط به من فوقها من أمر الله عن ابن مسعود والضحاك ، وقيل : إليها ينتهى أرواح الشهداء ، وقيل إليها ينتهى ما يهبط به من فوقها ويقبض منها ، وإليها ينتهى ما يعرج من الارواح ويقبض منها ، والمنتهى : موضع الانتهاء.
(٣) الفراش : طائر صغير يتهافت على السراج فيحترق ، يقال له بالفارسية : بروانه.
(٤) مجمع البيان ٩ : ١٧٤ و ١٧٥.