ولو أردنا التوسع في هذه الغوامض والاسرارا وكشف الرموز عن هذه الكنوز ملأنا القماطير بالاساطير ولم نأت الا بقليل من كثير.
( مثنوى هفتاد من كاغذ شود )
ولكن ما ذكرناه مع غاية ايجازه لعلّه كاف للمتدبّر في أثبات المعنى الصحيح ( لوحدة الوجود ) وأنّه مترفّع الأفق عن الانكار والجحود ، بل هو من الضروريات الأوليّة ، وقد عرّفنا الضروري في بعض مؤلفاتنا بأنه ما يستلزم نفس تصوّره حصول التصديق به ولا يحتاج الى دليل وبرهان ، مثل أنّ الواحد نصف الاثنين فوحدة الوجود بالمعنى الذي ذكرناه لا ريب فيها ولا اشكال ، انّما الاشكال والأعضال في وحدة الموجود فانّ المعقول في بادىء النظر وحدة الوجود ، وتعدّد الموجود المتحصّل من الحدود والقيود والتعينات ، ولكنّ الذي طفح وطغى في كلمات العرفاء الشامخين ومشايخ الصوفية السالكين والواصلين هو وحدة الوجود ووحدة الموجود أيضاً ، وكانت هذه الكلمة العصماء يلوح بها أكابر العرفاء والأساطين في القرون الاولى كالجنيد (١) والشبلى (٢) وبايزيد البسطامى ، (٣) ومعروف الكرخي ، (٤) وأمثالهم حتى وصلت الى الحلاّج وأقرانه الى أن نبغ في
__________________
(١) سعيد بن محمّد بن الجنيد القواريري الزاهد المشهور سلطان الطائفة الصوفية توفى سنة ( ٢٩٧ ه ).
(٢) ابوبكر دلف بن جحدر الشبلي الخراساني البغدادي من كبار مشايخ الصوفية نقل : انه كان يبالغ في تعظيم الشرع المطهر توفى سنة ( ٣٣٤ ه ).
(٣) ابويزيد البسطامى طيفور بن عيسى الصوفي الزاهد المشهور توفى سنة ( ٢٦١ ه ).
(٤) معروف بن فيروز الكرخي ابومحفوظ احد اعلام الزهاد والعرفاء كان من موالي الامام علي بن موسى الرضا عليهالسلام توفى ببغداد سنة ( ٢٠٠ ه ) ، انظر تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ٢٢٨ ؛ الاعلام ، ج ٢ ، ص ١٠٥٦ ط مصر.