وهو يضع السورة بموقعها التأريخي في النزول ، فيبدأ بسورة العلق باعتبارها أول ما نزل من القرآن ثم سورة القلم وهي التي تليها في النزول وهكذا يتتبع السور تأريخيا حتى ينتهي بآخر ما نزل بالمدينة المنورة.
ويبدو لي أن مباحث نولدكه في تأريخ السور هي أنفس ما جاء في كتابه تأريخ القرآن.
وقد كان المستشرق الانكليزي ( أدوارسل ) في كتابه ( التطور التأريخي للقرآن ) موضوعيا في بحث المكيّ والمدنيّ وكتابة القرآن وتدوينه. واستفاد بما سبق إليه نولدكه. وقد وثق الأستاذ ( كارل بروكلمان ) المصحف العثماني ، وذهب إلى رأي قيم في القراءات بأن الكتابة فتحت مجالا لبعض الاختلاف في القراءات ، فاشتغل القراء على هذا الأساس بتصحيح القراءات (١).
ولا شك أن ما كتبه المستشرق الفرنسي الأستاذ ( بلاشير ) في تأريخ القرآن ، بنيته وتكوينه ، ورسالته في مكة ورسالته في المدينة والواقعة القرآنية وعلوم القرآن يعتبر من أبرز الجهود الاستشراقية بعد جهود نولدكه ، وقد أفاد منه كثيرا لا سيما في تقيده بالمرحلة الزمنية لتأريخ نزول السور القرآنية.
وقد كانت الذائقة العلمية رصينة قيمة عند ( بلاشير ) لا سيما اعترافه بحيرة غير العربي عند فهم القرآن (٢).
إن هذا الفهم المتفاوت عند هؤلاء المستشرقين يعود إلى العنصر النفسي الأغلب في شخصية كل منهم. فمن اتجه اتجاها موضوعيا كان ما قدمه موضوعيا ، ومن كان ذا هوى أو تعصب أو فرية أشبع ذلك في بحوثه.
وناحية أخرى مهمة في مفارقات الفهم الاستشراقي ، تنبعث من زاوية عقيدية. فالمستشرق قد لا ينظر النص القرآني من كونه نصا حضاريا ، بينما
__________________
(١) ظ : بروكلمان ، تأريخ الأدب العربي : ١ / ١٤٠.
(٢) ظ : فيما سبق : تأريخ القرآن : فقرة رقم ٧.