وقد يختلف أحيانا عن فهمنا له لأنهم يرون أن القرآن كتاب ثقافي حضاري يدرس من هذا الجانب ، ولا يعالج منه ما له صلة بالوحي أو الغيب ، وإذا عولج هذا الجانب فقد يعالج معالجة من لا إيمان له به ، ولا ركون إليه ، وهي قضية أخرى.
لمسنا فيما سبق أن الطابع العام لدى المستشرقين العلميين هو الدقة والضبط وهما يشكلان الركن الأساسي في الجهد الاستشراقي ، وفي هذا الضوء وجدنا العناية فائقة بأصول القرآن تدوينا وكتابة وفهرسة وتحقيقا ونشرا وترجمة وتعقيبا باعتبار ذلك جميعا من الينابيع الأولى لتوثيق النص القرآني والمحافظة عليه من الضياع ، ولقد كانت مقررات المجمع العلمي البافاري في ميونيخ بجمع المصادر الخاصة بالقرآن الكريم ، وضبط قراءاته المختلفة ، وعهدته بذلك إلى الأستاذ ( براجشترايسر ١٨٨٦ م ـ ١٩٣٣ م ) ومن بعده إلى المستشرق الألماني ( أوتو بريتزل ) أستاذ اللغة العربية في جامعة ميونخ (١).
فقد وجدنا بريتزل متفتح الأفق ، جدي المبادرة ، عملي التنفيذ فكان أول ما بدأ به أن بعث بخطاب إلى المجمع العلمي العربي في دمشق يقول في جملة منه تحقيقا للمشروع الذي عهد لسلفه : ( براجشتراسر ) : « ولقد نوينا تسهيلا لمحبي الاطلاع أن ندون كل آية من القرآن الكريم في لوحة خاصة تحوي مختلف الرسم الذي وقفنا عليه في مختلف المصاحف مع بيان القراءات المختلف الرسم الذي وقفنا عليه في مختلف المصاحف مع بيان القراءات المتخلفة التي عثرنا عليها في المتون المتنوعة ؛ ومتبوعة بالتفاسير العديدة التي ظهرت على مدى العصور وتوالي القرون (٢).
وحينما انجلت المهمة عن طبع العديد من الآثار القرآنية لعلماء العرب والمسلمين لم يكتف بريتزيل عند هذا الحد بل أتحفنا برسالة فريدة « في تأريخ علم القرآن باللغة الألمانية وهي تحتوي على أسماء المؤلفات
__________________
(١) ظ : فيما سبق : التحقيق والفهرسة والتدوين.
(٢) الزنجاني ، تأريخ القرآن : ١٢.