جسيمة لا يطيقها الكثير من الباحثين المسلمين ، إذ ليس أمرا يسيرا أن يتفرغ فرد أو جماعات لغتهم الأم غير العربية إلى ترجمة نص عربي فريد ، يكمن في تعبيره الحس الاستعماري إلى جنب البعد التشبيهي ، والتعبير المجازي بسوية الإرادة الحقيقية من القول ، هذا مضافا إلى تداخل الأشباه والنظائر والمترادفات في الألفاظ ، ووجود التضاد والاشتراك في المادة الواحدة. مما يعني تمرسا دقيقا في فنون القول ، وعناء شاقا في اضطلاع اللغة والبيان ودلالة الألفاظ.
وقد كانت هذه الجهود المتقدمة مجتمعة سبيلا إلى توثيق نصوص القرآن ومعاينتها بمنظور عصري متميز من ينابيعها الأولى.
ولا شك أن هدفا أساسيا يحدو بالمستشرقين إلى خوض عباب القرآن ، والغوص في أعماق كنوزه ، ألا وهو استقراء المجهول ، واستكشاف الحقائق ، ولا يكون هذا الملحظ إلا علميا أصابوا الهدف أم أخطئوه. وقد كان مضمار هذا الارتياد السبق إلى المعرفة ، بالتأكيد على الجزئيات الأولية ، التي تمهد في الوصول للكليات الرئيسية ، فكان عملهم كالمقدمات الضرورية التي تنتهي إلى نتائج ضرورية ، فيما يقدرون لا فيما نقدر ، إذ قد نوافقهم حينا ونختلف معهم حينا آخر فيما قرروا من استنتاج.
ومهما يكن من أمر ، فقد سلكوا إلى تحقيق هذه الخطوة اتجاها عمليا أصيلا بالتأكيد على دراسة القرآن موضوعا ، موضوعا ، ولم يتناولوا بطبيعة الحال كل موضوعات القرآن ، بل اكتفوا بالبعض منها ، مما يسهل بحثه ، أو تتوافر مصادره ، أو يخلص إلى حصيلة مثمرة ، والحق أن هذا الاتجاه يعني الاستقصاء والاستيعاب الشامل ، ويتطلب القيام بعملية إحصائية في ذات الموضوع المراد بحثه. ومع أن الشك يخامرنا في قدرة جملة المستشرقين على تحقيق هذا الغرض ، إلا أننا لمسنا مقدرة فائقة أحيانا عند الطبقة الممتازة منهم ، ممن بدا على بحوثه سيماء الصبر والأناة والتحفز ، فالمشقة الدراسات الاستقرائية تضني الباحثين ، وقد لا يحققون قدرا يعتد به من النجاح إلا بعد سنين من التمحيص وعناء الاستنباط.