ولا تصح صيغة الإعجاز إلا بوجه من عربيته ، فإذا انتفت عربيته انتفى إعجازه ، ولم يعد قرآنا في شتى صنوف الترجمات. نعم تبقى مفاهيمه قابلة للترجمة ، وأحكامه متسعة للنقل ، وفاء بعالمية القرآن وإنسانيته ، فالقرآن وإن كان عربي النص إلا أنه عالمي الدلالة ، وهو وإن كان إنساني الرسالة إلا أنه عربي العبارة وللتوفيق بين هاتين النظرتين الشموليتين ، كانت ترجمة مفاهيمه كافية لتحقيق الغرض الفني ، وإذا التقى الغرض الديني بالغرض الفني في نص من النصوص بلغ الذروة في الهدف ، وقد كان القرآن كذلك.
وأزاء عرض هاتين القضيتين لا بد من الإحاطة ولو جزئيا بمدلول الترجمة والترجمة القرآنية في صدر البحث تمهيدا للدخول في صلب الموضوع.
للترجمة دلالتان ، تعنى الأولى بأصل الوضع اللغوي ، وتعنى الثانية بطبيعة المصطلح الفني لها.
ففي اللغة : الترجمة بزنة فعللة ، بيان لغة بلغة أخرى ، واللغة التي تبين لغة أخرى ، وقد ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر ، والترجمان هو المفسر للسان ، وقد ترجمه وعنه إذا فسره بلسان آخر (١).
وتفسير الكلام بلسان آخر أو بلغة أخرى ، يخرج « علم التفسير » لغة واصطلاحا عن مدلول الترجمة ، إذ للتفسير بيان بلغة الأصل ، وهو يعنى بالكشف والبيان والإيضاح لغة ، ويبحث فيه عن القرآن الكريم في دلالته على مراد الله تعالى اصطلاحا (٢). وأما الترجمة فهي بيان بلغة غير الأصل ، وبذلك يزال اللبس بين المصطلحين ، وتبدو استقلالية كل منهما عند الاطلاق.
وأما الترجمة في دلالتها الاصطلاحية ، فهي عبارة عن النقل من لغة
__________________
(١) قارن في الجمع بين هذه التعريفات عند كل من : الفيروزآبادي ، القاموس المحيط : ٤ / ٨٣+ ابن منظور ، لسان العرب : ١٢ / ٢٢٩ + التهانوي ، كشاف اصطلاحات الفنون : ٣ / ٧٧.
(٢) ظ : محمد حسين الصغير ، المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم : ١٤ وما بعدها.