وسط العالم ، وكانت الجهات الأصلية تتحدّد بالنسبة إليه. فلمّا انتقل مركز ثقل الأحداث السياسية بعد ذلك من البحر المتوسط إلى الشمال بقي مصطلح الشرق رغم ذلك دالاّ على الدول الواقعة شرق البحر المتوسط (١).
ويبدو أن مصطلح الشرق لم يقتصر على هذه الرّقعة جغرافيا فحسب ، بل تجاوزها إلى غرب الجزيرة العربية ، وشمال إفريقيا ، وذلك بعد الفتوحات الإسلامية ، فعدّت كل من مصر والمغرب وشمال إفريقيا وما تعرّب من سكان هذه الدول من الشرق ، فشملها هذا الاسم باعتبار دينها الإسلام ، ولغتها العربية.
وكما تخطّى مصطلح الشرق حدوده الجغرافية إلى غرب الجزيرة العربية وشمال إفريقيا ، فقد تخطّى مصطلح الاستشراق الغربيين ، وتجاوزهم إلى المستعربين بعامّة ، ممن لم يعتنقوا الإسلام دينا ، ولم ينطقوا بالعربية لغة ، وكان من شأنهم أن بحثوا في تراث الشرق لغة وأدبا ، وإن كانوا شرقيين ، فشملهم هذا التعبير ، وغمرهم هذا المصطلح ، فعادوا مستشرقين.
وفي ضوء ذلك يصحّ لنا إطلاق الاستشراق الروسي على المعنيين بالشئون المشار إليها من قضايا الشرق الثقافية ، وهكذا يقال الاستشراق الياباني أو الاستشراق الصيني. كما يقال الاستشراق الأمريكي أو الانكليزي جنبا إلى جنب.
لقد عاد الإسلام واللغة العربية مادة خصبة لموضوع الاستشراق ، وطغت هذه المادة على ما سواها ، ولقد قدّر للقرآن الكريم أن يحتضن الإسلام واللغة العربية بوقت واحد ، حتى أضحى القرآن أغنى المواضيع عند المستشرقين على الإطلاق ، فبحثوا جزئيّاته وكلّياته ، وانصبّت بحوثهم الأكاديمية حوله بشكل يلفت النظر ، ويستوقف الباحث.
__________________
(١) ظ : دودي بارت :
الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية : ١١ ، ترجمة د. مصطفى ماهر ، دار الكاتب العربي ، القاهرة ، ١٩٦٧ م.