وذلك أن الالتفات إلى ربط أشتات الكلام بعضها ببعض ، وعلاقة اللفظ بالمعنى ، والمعنى بالسياق ، وتعلق كل كلمة بما بعدها ، وارتباطها بما قبلها ، والصورة التي تستنبط من اقتران الألفاظ بالمعاني كل أولئك ضروري في تحقيق فكرة النّظم ، إذ لا يبدو النص متكاملا في الألفاظ ما لم يضف إليه علاقتها بالمعاني ، وانتظام كل من الألفاظ والمعاني بالسياق العام ، وما ينطوي عليه النص من فنون تتفاوت معرفتها في حالات القول في الإسناد أو الشرط أو الاستفهام أو الاستدراك ، أو الخبر أو الإنشاء ، أو الفصل أو الوصل ، أو الحذف أو الإضمار ، أو التقديم أو التأخير. والإحاطة بصنوف هذه الأجزاء بديهي التوافر في مقتضيات الترجمة الفنية في نص عميق الأصالة كالقرآن الكريم يقول عبد القاهر الجرجاني ( ت : ٤٧١ ه ) وهو يتحدث عن التلاؤم بين الألفاظ ، والترابط في السياق القرآني لقوله تعالى :
( وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) ) (١).
« فتجلى لك الإعجاز ، وبهرك الذي ترى وتسمع أنك لم تجد ما وجدت من المزية الظاهرة والفضيلة القاهرة إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض ، وإن لم يظهر الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة : وهكذا إلى أن تستقر بها إلى آخرها ، وأن الفضل نتائج ما بينها ، وحصل من مجموعها » (٢).
وعبد القاهر يؤكد على جانب التناسق الفني بين ربط الألفاظ بعضها ببعض ، والاتساق في النظم والسياق عند جلاء صورة الكلام وفضيلته.
ومهمة العناية بالنظم القرآني عند الترجمة مهمة شاقة ومضنية ، فالقرآن معجز بحسب ترتيبه ونظم آياته كما يرى الرازي (٣).
والكشف عن هذا الإعجاز في الترجمة متعذر التحقيق ، وتطبيقه على
__________________
(١) هود : ٤٤.
(٢) الجرجاني ، دلائل الإعجاز : ٣٦.
(٣) الرازي ، مفاتيح الغيب : ٧ / ١٣٨.