مواطن النظم يدعو إلى ترصد ناحية ذات أهمية خاصة اقتضها حكمة النظم القرآني ، وهي تعدد الموضوعات في السورة الواحدة ، ومع ذلك نجد السورة لا تفقد وحدتها الموضوعية. واستيفاء هذا الملحظ لا تستطيعه أية ترجمة ، لأن هذه الطريقة قد انفرد بها القرآن الكريم ولا نظير لها في النصوص الأدبية الأخرى إذ تعتمد النصوص وحدة الموضوع عادة دون الدخول بتفصيلات مماثلة ، بينما يحافظ القرآن على وحدة الموضوع ليربطه بموضوع آخر دون تصادم في الأفكار ، أو تجاوز للتجانس الموضوعي ، حتى في السور ذات الموضوعات المتعددة ، إذ أنها تتحد في التخطيط ضمن إطار الأسلوب الواحد المتدرج في الانتقال إلى جزئيات أخرى ، يحتل كل منها موقعه في نظام السورة مما يشكل تنوعا في المفردات ، تتجمع في ظل هيئة تركيبية موحدة ، وتصل في النهاية إلى ترتيب جديد في العرض والأسلوب والمعالجة ، والترجمة على حذقها قد لا تحيط خبرا بهذه الملابسات التكوينية للسور ، فتجيء مرتبكة مبعثرة لا يربطها خط رئيسي كما في النص القرآني.
يقول فخر الدين الرازي ( ت : ٦٠٦ ه ) :
« اعلم أن عادة الله في ترتيب هذا الكتاب الكريم وقع على أحسن الوجوه ، وهو أن يذكر شيئا من الأحكام ثم يذكر عقيبه آيات كثيرة في الوعد والوعيد والترغيب والترهيب. ويخلط بها آيات دالة على كبرياء الله وجلال قدرته وعظمة إلهيته ، ثم يعود مرة أخرى إلى بيان الأحكام ، وهذا أحسن أنواع الترتيب وأقربها إلى التأثير في القلوب ، لأن التكليف الشاق لا يقع في موقع القبول إلا عند القطع بغاية كمال من صدر عنه الوعد والوعيد ، فظهر أن هذا الترتيب أحسن الترتيبات اللائقة إلى الدين الحق » (١).
ان هذه الظاهرة الفريدة تدعونا بجدية إلى ملاحظة أن الترابط بين أوائل السور وأوساطها وأواخرها ذو رؤية مدركة في بيان حسن النظم
__________________
(١) الرازي ، مفاتيح الغيب : ١١ / ٦١.