إننا لا نستطيع أن ننفي هذه التهم جملة وتفصيلا ، فلهذه التهم أصل من الصحة ، ولا يمكننا أن نزيّف جميع الجهود الاستشراقية ونصمها بالتبشير ففي هذا بعض الغلو والتطرف ، ولكننا نستطيع أن ننزه قسما ونتهم قسما آخر. فالمستشرقون بشر ، والبشر فيه الموضوعي وفيه السطحي ، والمستشرقون مجتهدون ، وقد يخطئ المجتهد وقد يصيب.
يلحظ أن جماعة من المستشرقين قد دأبوا منذ زمن حتى عصرنا الحاضر على وصف القرآن بأنه نسيج من السخافات ، وبأن الإسلام مجموعة من البدع ، وبأن المسلمين وحوش ، وكان نموذج ذلك من المشترقين : « نيكولا دكيز ، وفيفش ، وفراتشي ، وهو تنجر ، ويلياندر ، وبريدو » ، وغيرهم (١).
وهذا النوع من المستشرقين قد دفع تبشيريا إلى الغض من مكانة القرآن والإسلام ، لتقليل أهميتهما وزعزعة النفوس عنهما ، وإسدال ظلال كثيفة قاتمة حول التأريخ الإسلامي لخدع البسطاء والمترددين ، تبعا لهوى في نفوس القوم. ولكن الحديث المتأطر بهذا القناع لا يمكن أن يوافق قبولا لدى الباحثين لأنه حديث عاطفي.
وقد عمد قسم من المستشرقين الألمان واليهود أمثال ، « فيل ، وجولد سهير ، وبول » ، وغيرهم إلى القول بأن القرآن حرّف وبدّل بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي صدر الإسلام الأول ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصاب بالصرع! وأنّ ما كان يسميه الوحي الذي ينزل عليه إنّما كان أثرا لنوبات الصرع! فكان يغيب عن صوابه ، ويسيل منه العرق ، وتعتريه التشنّجات ، وتخرج من فيه الرّغوة ، فإذا أفاق من نوبته ذكر أنّه أوحي إليه ، وتلا على المؤمنين ما يزعم أنه من وحي ربه (٢).
__________________
(١) ظ : الدكتور بكري أمين التعبير الفني في القرآن : ١٨ ، دار الشروق / بيروت / ١٩٧٢ م.
(٢) ظ : Emile Der meng hem,
The Life of mahomet. PP. ١٣٥
New york Deal Press. ١٣٩٠