وحقيقتها الندم (١) وهو من الأُمور القلبية ولا يكفي مجرّد قوله : أستغفر الله ، بل لا
______________________________________________________
قبول التوبة تفضل
ثمّ إنّ هناك بحثاً آخر وهو : أنّ التوبة كانت واجبة عقلاً وشرعاً أو عقلاً فقط هل يجب على الله قبولها بحيث تمحى بها المعصية المتحققة ويزول بها استحقاقه العقاب على نحو لو عاقبه الله تعالى بمعصيته بعد التوبة كان ظلماً قبيحاً أو لا يجب قبولها عليه؟ وقد تعرّضنا لهذا البحث في التكلّم عن مقدمة الواجب (١) وقلنا إن استحقاقه العقاب الثابت بالمعصية المتقدمة لا يرتفع بالتوبة المتأخّرة ، لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، فلو عاقبه الله سبحانه بعد ذلك كان عقاباً واقعاً عن استحقاق وفي محله ولم يكن ظلماً لا عن استحقاق ، إلاّ أن هذا البحث مجرّد بحث علمي لا يترتب عليه أثر عملي كما ذكرناه في بحث مقدّمة الواجب ، لأنّه ثبت بالكتاب والسنّة أنّ الله ( يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ) (٢) وأنّهُ رَؤُوفٌ بِهِم (٣) « وأنّه لا كبيرة مع الاستغفار » (٤) المراد به التوبة ، فالتوبة وإن لم يكن معها عقاب على المعصية إلاّ انّه من باب التفضّل من الله سبحانه عملاً بوعده لا أنّه من باب الوجوب ، وقد وافقنا على ذلك الأشاعرة خلافاً للمعتزلة حيث ذهبوا إلى وجوب قبول التوبة على الله ، وهذا من جملة الموارد الّتي لا بدّ فيها من الموافقة مع الأشاعرة دون المعتزلة.
حقيقة التوبة
(١) الظاهر أنّه لم تثبت للتوبة حقيقة شرعية ولا متشرعية ، وإنّما هي بمعناها اللغوي أي الرجوع ، وهو المأمور به شرعاً وعقلاً ، فكما أنّ العبد الآبق الفار والخارج عن زي عبوديته يجب أن يرجع عن خروجه هذا ، فكذلك العبد لا بدّ من أن يرجع إلى مولاه الحقيقي عن طغيانه وتمرده وتعدّيه ، فلا يعتبر في حقيقة التوبة
__________________
(١) لم نعثر عليه في محاضرات في أُصول الفقه.
(٢) التوبة ٩ : ١٠٤.
(٣) البقرة ٢ : ٢٠٧.
(٤) الوسائل ١٥ : ٣٣٧ / أبواب جهاد النفس ب ٤٨ ح ٣ وغيره.