مرتين ويكرموننا ، ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع ، فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبدالله ، فكنا نسميه الامين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادعى أنه رسول الله ، وأن أخبار السماء تأتيه ، فسفه أحلامنا وسب آلهتنا ، وأفسد شباننا ، وفرق جماعتنا ، وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار ، فلم يرد علينا شئ أعظم من هذا ، وقد رأيت فيه رأيا ، قالوا : وما رأيت؟ قال رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله ، فإن طلبت بنو هاشم بدمه(١) أعطيناهم عشر ديات ، فقال الخبيث : هذا رأي خبيث ، قالوا : وكيف ذاك؟ قال : لان قاتل محمد مقتول لا محالة. فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم ، فإنه إذا قتل محمد تعصب(٢) بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ، وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على وجه الارض ، فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا ، فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر ، قال : وما هو؟ قال : نلقيه في بيت ونلقي إليه(٣) قوته حتى يأتيه ريب المنون(٤) ، فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس ، فقال إبليس ، : هذا أخبث من الآخر ، قال(٥) : وكيف ذاك؟ قال : لان بني هاشم لا ترضى بذلك ، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم ، واجتمعوا عليكم فأخرجوه ، قال آخر منهم : لا ولكنا نخرجه من بلادنا ، ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا ، فقال إبليس هذا أخبث من الرأيين المتقدمين ، قالوا : وكيف؟ قال : لانكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها ، وأنطلق الناس لسانا ، وأفصحهم لهجة ، فتحملوه إلى بوادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه ، فلا يفجأكم إلا وقد ملاها عليكم خيلا ورجلا فبقوا حائرين ، ثم قالوا لابليس : فما الرأي فيه يا شيخ؟ قال : ما فيه إلا رأي واحد ،
____________________
(١) في تفسير القمى : فان طلبت بنو هاشم بديته. وفى اعلام الورى : فان طلبت بنو هاشم دمه.
(٢) في نسخة : تعصب. وفى التفسير : تغضب.
(٣) في نسخة : تلقى إليه. وفى اخرى : تلقى عليه. وفى التفسير : نثبته في بيت ويلقى عليه قوته.
(٤) في نسخة : حتى يأتى عليه ريب المنون.
(٥) في نسخة : قالوا.