فالرجوع إلى إطلاق الكتاب فيما استفدنا اعتباره من الأخبار البيانية إنّما هو من الابتداء ، من دون أن يحتاج إلى التعارض وسقوط المتعارضين لنرجع إلى إطلاق الكتاب بعد ذلك كما استفدنا اعتباره من الأدلّة اللّفظية مثل الضرب وكونه باليدين.
وحاصل ما ذكرناه في المقام بتقريب ملخّص هو : أنّ ما استفدنا منه أنّ الصلاة لا تسقط بحال من الإجماع وصحيحة زرارة (١) له حكومة على الأدلّة الدالّة على اعتبار شيء في الصلاة شرطاً أو جزءاً مثل ما دلّ على جزئية السجدة والقيام فإنّه وإن كان يقتضي إطلاقه اعتبارهما في الصلاة حتّى في التعذّر وعدم التمكّن منهما إلاّ أن ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط بحال يقيد إطلاقهما بحال الاختيار ، لدلالته على وجوب الصلاة حتّى في صورة عدم التمكّن من القيام والسجود.
نعم لا حكومة له بالإضافة إلى ما هو مقوم للصلاة بحيث لو انتفى انتفت الصلاة مثل الطهور ، لما دلّ على أنّه لا صلاة إلاّ بطهور (٢) وأنّ الطهور ثلث الصلاة (٣) ، وذلك لأنّه لا موضوع عند انتفاء الطهور ليحكم بوجوبه بدليل لا تسقط الصلاة بحال حيث إنّه ليس بصلاة.
ومن هنا قلنا إنّ الإجماع والصحيحة الدالّة على أنّها لا تسقط بحال غير شاملين فاقد الطهورين ، إذ لا صلاة بدون الطهور ليقال بوجوبها من دونه ، نعم لو لم يدلّنا دليل على أنّ الصلاة متقومة بالطهور بأن كان مأخوذاً في المأمور به لا في الحقيقة والمعنى لكان للدليلين من الإجماع والصحيحة حكومة عليه أيضاً.
إذا عرفت ذلك فنقول : إن من جملة حالات المكلّف ما إذا لم يتمكّن من الصلاة بالتيمّم بالضرب أو بضرب اليدين أو بكليهما لكونه أقطع ذا يد واحدة ، فمقتضى ما دلّ على اعتبار الضرب في التيمّم أو كونه باليدين أن غير المتمكّن منه ليس مأموراً بالصلاة ، لإطلاق ما دلّ على اعتبار ذلك في التيمّم ، ولمّا كان غير المتمكّن ليس بقادر على التيمّم والطهور فهو غير مكلّف بالصلاة ، إلاّ أن ما دلّ على أنّ الصلاة لا تسقط
__________________
(١) تقدّمت في نفس المسألة في ص ٢٦٠.
(٢) ، (٣) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١.