وأمّا إذا أرجعناه إلى جميع الأُمور الأربعة المذكورة في الآية كما هو الظاهر لمكان العطف بأو ، الدال على أن كل واحد من الأُمور الأربعة إذا اقترن به عدم وجدان الماء أوجب التيمّم ، وليس هو كالعطف بالواو ليكون مورداً للنزاع المعروف من أن القيد يرجع إلى الجملة الأخيرة أو جميع الجمل ، فلا مناقشة بوجه.
لأن معنى الآية حينئذ : وإن كنتم مرضى ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً ، وإن كنتم على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً وهكذا ، وحيث إن الأمر بالتيمّم لا يمكن توجهه إلاّ إلى المحدث مثل الأمر بالوضوء في صدر الآية لأنه هو مورد الوضوء بعينه إذا وجد الماء فيستفاد منها أن المريض المحدث إذا لم يجد الماء يتيمم وهكذا المسافر المحدث ، وإنما تعرضت الآية للمريض والمسافر لأغلبية عدم الوجدان فيهما.
نعم يبقى حينئذ سؤال وهو أنه إذا كان المراد من الآية هو المريض المحدث إذا لم يجد الماء أو المسافر المحدث إذا لم يجد الماء فما معنى قوله تعالى بعد ذلك ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) أي كان محدثاً ببول أو بغائط ، فإنه كالتكرار حينئذ؟.
والجواب عنه : أن ذكره ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) إنما هو للدلالة على أن مشروعية التيمّم عند فقدان الماء لا تختص بالمريض والمسافر بل تعم الحاضر كذلك إذا كان محدثاً بالأصغر أو الأكبر ، ولا سيما بملاحظة قوله ( مِنْكُمْ ) أي من المحدثين فهو لتسوية الحكم بين المريض والمسافر وبين الصحيح والحاضر.
إذن لا موقع لما ذكره الشيخ عبده وتلميذه ولا ظهور للآية فيما ذكراه ، وليس المرض والسفر بنفسهما يوجبان التيمّم.
وأما قصر الصلاة والصيام في حق المسافر فهو قد ثبت بدليله ولا يمكن تعديته إلى المقام ، لأنه قياس ظاهر.
ثم لو تنزلنا عن ذلك فالآية مجملة لا ظهور لها في كون المرض أو السفر موجباً للتيمم بنفسهما ، لتساوي الاحتمالين فلا تكون منافية لما دل على عدم وجوب التيمّم إلاّ مع الحدث وعدم كون المرض أو السفر موجباً له في نفسه.