رجوع القيد إلى كل واحد من الأربعة المذكورة في الآية المباركة ، هذا.
ثم لو تنازلنا عن ذلك ولم يكن القيد ظاهراً في الرجوع إلى الأُمور الأربعة بأجمعها فلا أقل من الإجمال ، لعدم العلم بأنه راجع إلى جميع الأُمور الأربعة أو إلى خصوص الأخيرين ، ومعه لا يثبت للآية ظهور في الإطلاق ليتمسك به صاحب المنار أعني كون الآية مطلقة من حيث المريض والمسافر وأنهما كانا واجدين للماء أو فاقدين له محكومين بالتيمّم وذلك لاقترانهما بما يصلح للقرينية ، ومع الإجمال يبقى إطلاق صدر الآية في أن الواجد للماء يتوضأ إن لم يكن جنباً كان مريضاً أو مسافراً أم لم يكن على حاله ، وهو يقتضي الحكم بوجوب الغسل أو الوضوء عند كون المريض أو المسافر واجداً للماء ، وكذلك الأخبار.
وممّا يدل على ما ذكرناه أن صاحب المنار إن أراد أن المريض والمسافر يتعين عليهما التيمّم وإن كانا واجدين للماء ، فيدفعه أنه على خلاف ما ثبت بالضرورة من الإسلام ، فإن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه والأئمة عليهمالسلام قد سافروا كثيراً ولم ينقل أحدٌ أنهم تيمموا عند كونهم واجدين للماء.
وإن أراد بذلك أن التيمم مرخّص فيه لهما لا أنه متعين عليهما ، نظير الترخيص في الصوم والصلاة على المسافر عندهم ، ففيه : أن ذلك يستلزم استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد ، حيث إن الأمر بالتيمّم بالإضافة إلى الأخيرين من جاء من الغائط أو لامس النساء استعمل في التعيين ، وبالإضافة إلى الأولين المريض والمسافر في الترخيص ، وهو إما غير معقول أو خلاف الظاهر على ما أوضحناه في الأُصول (١) وذكرنا ان الوجوب والاستحباب خارجان عن مدلول الأمر وأن معناه واحد وهو شيء آخر ، وإنما يستفاد الوجوب من حكم العقل عند عدم اقترانه بالمرخص في الترك (٢) ، ومعه لا يمكن إرادة المعنيين منه لكونه مستحيلاً أو مخالفاً للظاهر.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٢٠٦ ٢٠٩.
(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣ فما بعد.