وكيف يجوز أن ينزل القرآن فى وقت واحد. افعلوا كذا ولا تفعلوا .. ولم يفرض الله على عباده أن يحفظوا القرآن كله ، ولا أن يختموه فى التعلم ، وإنما أنزله ليعملوا بحكمه ، ويؤمنوا بمتشابهه ، ويأتمروا بأمره ، وينتهوا بزجره ، ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة ويقرءوا فيها الميسور.
وكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورضى الله عنهم وهم مصابيح الأرض ، وقادة الأيام بمنتهى العلم ، إنما يقرأ الرجل منهم السورتين والثلاث والأربع ، والبعض والشطر من القرآن الا نفرا منهم وفقهم الله لجمعه ، وسهل عليهم حفظه ..
وكانت وفود العرب ترد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيقرئهم شيئا من القرآن فيكون ذلك كافيا لهم.
وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة ، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة ومكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم ، وقصة عيسى إلى قوم ، وقصة نوح إلى قوم ، وقصة لوط إلى قوم.
فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص فى أطراف الأرض ، ويلقيها فى كل سمع ويثبتها فى كل قلب ، ويزيد الحاضرين فى الإفهام والتحذير ..
وليست القصص كالفروض ، لأن كتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانت تنفذ إلى كل قوم بما فرضه الله عليهم من الصلاة ، وعددها وأوقاتها والزكاة وسننها ، وصوم شهر رمضان وحج البيت ، وهذا ما لا تعرف كيفيته من الكتاب .. ولم تكن تنفذ بقصة موسى وعيسى ونوح وغيرهم من الأنبياء ، وكان هذا فى صدر الإسلام قبل إكمال الله الدين ، فلما نشره الله عزوجل فى كل قطر ، وبثه فى آفاق الأرض ، وعلم الأكابر الأصاغر ، وجمع القرآن بين الثقلين زال هذا المعنى واجتمعت الأنباء فى كل مصر ، وعند كل قوم ..
هذه بعض الملامح لتفكير ابن قتيبة وعلمه فيما يتصل بالقرآن. وكل