ومن جميع ما قدّمناه يظهر سقوط القول بالوجوب التعييني ، وأن المستفاد من الأدلة إنما هو الوجوب التخييري.
ومنه يظهر الحال في المقام الثاني ، أعني أصل المشروعية في قبال القائل بالحرمة ، إذ بعد ثبوت الوجوب التخييري بالأدلة المتقدمة لا يبقى مجال للتشكيك في المشروعية ، فالقول بحرمتها في زمن الغيبة ساقط جدّاً وسيأتي تفصيل الكلام فيه.
وفذلكة الكلام في المقام : أن صلاة الجمعة لا تجب تعييناً بدون الإمام أو المنصوب الخاص ، وقد تسالم عليه الأصحاب وقام عليه إجماعهم ، وإنما هي واجبة تخييراً ، هذا في العقد الابتدائي ، وأما الحضور بعد العقد فوجوبه التعييني وإن لم يكن بعيداً ، بل هو الأقوى بالنظر إلى الأدلة ، لكن الأصحاب حيث لم يلتزموا بذلك فالجزم به مشكل ، ومن هنا كان مقتضى الاحتياط الوجوبي رعاية ذلك والله العالم.
المقام الثاني : في إثبات أصل المشروعية قبال من ينكرها رأساً ويدّعي الحرمة في زمن الغيبة ، والحال فيه وإن كان قد ظهر مما مرّ إجمالاً كما أشرنا إليه ، لكن من الجدير التعرض لما استدل لذلك وتزييفه تفصيلاً استقصاءً للبحث.
فنقول : استدل المنكرون وهم القليل من الأصحاب كابن إدريس (١) وسلاّر (٢) ومن تبعهما بأنّ إقامة الجمعة من المناصب المختصة بالإمام عليهالسلام ومن شؤونه ومزاياه فلا يجوز عقدها بدونه ، أو المنصوب من قبله بالخصوص ، وحيث لا يتيسّر الوصول إليه عليهالسلام في عصر الغيبة ولا الاستئذان الخاص ، فلا محالة يسقط الوجوب من أصله ، لانتفاء المشروط
__________________
(١) السرائر ١ : ٣٠٣.
(٢) المراسم : ٧٧.