نفس البناء أو الفضاء المشغول به لا يكاد يتحقق في هذين الموردين ، وقد استشهدوا لذلك بطائفة من الروايات.
لكن الظاهر أنّ هذا الكلام وإن اشتهر وشاع ، بل حكي عليه الإجماع إلا أنه لا أصل له.
أما أوّلاً : فلبعده في حد نفسه ، لاستلزامه تبدل (١) القبلة آناً فآناً وعدم كونها ذات ثبات وقرار ، وهذا بناءً على حركة الأرض حول الشمس وضعية أو انتقالية كما هو المعروف والصحيح ظاهر ، لوضوح أن الفضاء الممتد إلى السماء مما فوق الكعبة يتحول من مقرّه تدريجاً ويتحرّك بحركة الأرض فلا يكون شيئاً معيناً ونقطة ثابتة.
وكذا بناءً على مسلك القدماء من ثبات الأرض وحركة الشمس حولها ، فان النقطة المسامتة للكعبة الممتدة إلى الفضاء لم تستقر (٢) في مكان واحد ، بل تنتقل من جزء إلى جزء بتبع حركة الشمس.
وبالجملة : لازم هذا القول عدم استقرار القبلة على كل من المسلكين وأنها تتبدل في كل آن ، وهذا لو لم يكن مقطوع العدم فلا ريب في كونه خلاف
__________________
(١) هذا التبدل سارٍ في القبلة المركزية أيضاً ، فإن مكان البنية المشرفة وفضائها يتبدل على ضوء ما ذكر بحركة الأرض. فالإشكال لو تم لعمّ ولم يكن مختصاً بعنان السماء ، ولكنه لا يتم ولا تبدل على كل حال ، فان نسبة القبلة أياً كانت إلى فضاء أجزاء الأرض محفوظة دائماً ، ولا ضير في تغيير نسبتها إلى سائر الأجرام الكونية.
وبعبارة اخرى : عمود القبلة المفروض امتداده إلى السماء ثابت كنفس البنيان ، إذ ليس المراد به الفضاء المحيط بكرة الأرض ، بل عمود فرضي كميلة ثابتة في الكعبة ممتدة إلى السماء ومنها إلى تخوم الأرض قطرها مساوٍ لقطر الكعبة ، وهذه الميلة ثابتة لا تغير فيها أبداً ، نعم تتحرك كنفس الكعبة تبعاً لحركة الأرض وهي غير قادحة بالضرورة.
(٢) الذي لم يستقر إنما هو النقطة المسامتة كالنجمة الواقعة فوق الكعبة ، لا العمود المفروض فوقها الممتد إلى عنان السماء ، فإنه ثابت بتبع ثبات مركزه وهي الكعبة المشرفة حسب الفرض.