وكيف كان ، فقد اختلفت كلماتهم في تفسير الجهة وبيان المراد منها ، فذكر بعضهم كالمحقق في المعتبر : أنها السمت الذي فيه الكعبة (١). والإشكال عليه ظاهر ، فإنه إحالة إلى أمر مجهول ، لإبهام السمت ، إذ هو مفهوم تشكيكي قابل للانطباق في الخارج على أُمور كثيرة وجهات عديدة ، فانا إذا لاحظنا دائرة الأُفق وقسمناها نصفين ، فالنصف الذي فيه الكعبة يعدّ بأجمعه سمتاً لها ، ولو لاحظنا ثلث الدائرة المشتمل عليها كان السمت هو الثلث وصار أضيق من الأول ، ولو لاحظنا الربع المتضمن لها اختص السمت به ، وكذا الخمس والسدس وهكذا ، فليس للسمت حدّ منضبط ومصداق معيّن في الخارج ، بل يختلف باختلاف لحاظ أجزاء الدائرة المشتملة على الكعبة سعة وضيقاً حسبما عرفت.
وعن بعضهم أنها القدر الذي يجوز على كل جزء منه كون الكعبة فيه ، ويقطع بعدم خروجها عنه. وعن آخرين أنها السمت الذي يظن كون الكعبة فيه.
والإشكال عليهما أظهر ، لوضوح عدم دخل الظن والاحتمال في مفهوم الجهة أصلاً ، فإن ما هي جهة الكعبة واقعاً هي الجهة سواء ظن أو احتمل كون الكعبة فيها أم لا ، كما أنّ ما لا يكون جهة الكعبة ليس جهتها وإن ظن أو احتمل كون الكعبة فيها. نعم يمكن أن يكون لهما دخل في مقام الإحراز وتشخيص الجهة الظاهرية ، لكن الكلام فعلاً في مرحلة الثبوت وبيان ما هو جهة الكعبة واقعاً لا في مقام الإثبات كما هو ظاهر.
وعن الفاضل المقداد أن جهة الكعبة التي هي القبلة للنائي خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين ويمرّ بسطح الكعبة ، فالمصلي حينئذ يفرض من نظره خطاً يخرج إلى ذلك الخط فان وقع على زاوية قائمة
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٦٦.