تلك الأمة فكل ما وقع من العذاب والهلاك البدني ومسخ الصور في الأمم السالفة فنظيرها في هذه الأمة هلاكهم المعنوي بضلالتهم وحرمانهم عن العلم والكمالات وموت قلوبهم ومسخها فهم وإن كانوا في صورة البشر فهم ( كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ ) وإن كانوا ظاهرا من الأحياء فهم أموات ولكن لا يشعرون إذ لا يسمعون الحق ولا يبصرونه ولا يعقلونه ولا ينطقون به ولا يتأتى منهم أمر ينفعهم في آخرتهم فعلى هذا التحقيق لا تنافي تلك التأويلات تفاسير ظواهر الآيات وهذا الوجه يجري في أكثر الروايات المشتملة على غرائب التأويلات مما قد مضى وما هو آت.
١١ ـ ير : بصائر الدرجات علي بن إسماعيل عن محمد بن عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا عن نصر بن قابوس قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عز وجل : ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) قال يا نصر إنه ليس حيث تذهب الناس إنما هو العالم وما يخرج منه (١).
خص ، منتخب البصائر سعد عن علي بن إسماعيل مثله (٢) بيان هذا من غرائب التأويل ولعل المراد أنه ليس حيث تذهب الناس من انحصار جنة المؤمنين في الجنة الصورية الأخروية بل لهم في الدنيا أيضا ببركة أئمتهم عليهالسلام جنات روحانية من ظل حمايتهم ولطفهم الممدود في الدنيا والآخرة وماء مسكوب من علومهم الحقة التي بها تحيا النفوس والأرواح وفواكه كثيرة من أنواع معارفهم التي لا تنقطع عن شيعتهم ولا يمنعون منها وفرش مرفوعة مما يلتذون بها من حكمهم وآدابهم بل لا يلتذ المقربون في الآخرة أيضا في الجنان الصورية إلا بتلك الملاذ المعنوية التي كانوا يتنعمون بها في الدنيا كما يشهد به بعض الأخبار ومرت الإشارة إليه في كتاب المعاد وأشبعنا القول فيه في كتاب عين الحياة.
__________________
(١) بصائر الدرجات ١٤٨. والآيات في الواقعة : ٣٠ ـ ٣٣.
(٢) مختصر بصائر الدرجات : ٥٧.