ولكن أفرط بعض المتكلمين والمحدثين في الغلو لقصورهم عن معرفة الائمة عليهمالسلام وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شؤنهم فقدحوا في كثير من الرواة الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم : من الغلو نفي السهو عنهم أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون وغير ذلك ، مع أنه قد ورد في أخبار كثيرة لا تقولوا فينا ربا وقولوا ما شئتم ولن تبلغوا « وورد » أن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان « وورد » لو علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله « وغير ذلك مما مر وسيأتي.
فلابد للمؤمن المتدين أن لا يبادر برد ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم و معالي امورهم إلا إذا ثبت خلافه بضرورة الدين أو بقواطع البراهين أو بالايات المحكمة أو بالاخبار المتواترة كما مر في باب التسليم وغيره.
وأما التفويض فيطلق على معان بعضها منفي عنهم عليهمالسلام وبعضها مثبت لهم ، فالاول التفويض في الخلق والرزق والتربية والاماتة والاحيآء ، فإن قوما قالوا : إن الله تعالى خلقهم وفوض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون ، و هذا الكلام يحتمل وجهين :
أحدهما أن يقال : إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقيقة ، وهذا كفر صريح دلت على استحالته الادلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.
وثانيهما : أن الله تعالى يفعل ذلك مقارنا لارادتهم كشق القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات ، فإن جميع ذلك إنما تحصل بقدرته تعالى مفارنا لارادتهم لظهور صدقهم ، فلا يأبى العقل عن أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثم خلق كل شئ مقارنا لارادتهم ومشيتهم. وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحا لكن الاخبار السالفة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صراحا ، مع أن القول به قول بما لا يعلم إذ لم يرد ذلك في الاخبار المعتبرة فيما نعلم.