والنظريات التي تعتمد ( الحتمية ) أساساً في فهم سلوك الإنسان وتاريخه وتفكيره وتطوره ، عريقة وقديمة في تاريخ الثقافة الانسانية . وتتداخل عوامل كثيرة : دينية وفلسفية وسياسية ، في صياغة هذه النظريات ، ومن الصعب جداً فهم النظريات الحتمية في إطار العلم والفكر فقط دون أن نأخذ بنظر الاعتبار العوامل السياسية والدينية التي ساهمت في بلورة الصيغة الفلسفية لهذه النظريات .
النظريات الحتمية عند الإلهيين تتعلق غالباً بالسلوك الفردي للانسان وتتجه إلىٰ نفي إرادة الإنسان في سلوكه وفعله ، ونفي أي دور أو سلطان للانسان علىٰ أفعاله . وهذه النظرية هي المعروفة بـ ( الجبر ) .
وأشهر المذاهب الإسلامية التي تؤمن بالجبر هو مذهب الأشاعرة ، أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ( المتوفىٰ سنة ٣٣٠ هـ ) وهذا المذهب لا ينفي إرادة الإنسان وقدرته رأساً ، ولكنّه يرى أنّ فعل الانسان ليس ناشئاً من إرادة الإنسان وقدرته ، وإنّما هو مخلوق لله تعالىٰ .
وليس للانسان دور في إيجاد العمل وإبداعه ، وإنّما يقتصر دوره علىٰ كسب العمل فقط لا إيجاده .
وبذلك يحاول الشيخ الأشعري أن يجمع في هذه النظرية بين أصلين أساسيين هما : ( التوحيد ) و ( العدل ) .
فهو يرىٰ :
أوّلاً : أنّ كلّ عمل للانسان مخلوق لله تعالىٰ ، وليس للانسان أي دور في إيجاد العمل وإبداعه وإحداثه ، فإنّ الله تعالىٰ يقول : ( وَاللَّهُ