وسوف نعود إلىٰ دراسة هذه النقطة مرة أخرى في سياق هذا البحث .
وأكثر النتائج السلبية المترتبة علىٰ الإيمان بهذه الحتميات ، تعطّل دور الانسان وحركته في بناء التاريخ ، وتعطل دوره في تقرير مصيره . فإنّ الانسان إذا آمن بأنّ حركته وفعله يخضع لسلسلة من العوامل الحتمية الخارجة عن إرادته وإختياره يشعر بأنّه عنصر فاقد التأثير ، لا دور له في صناعة مصيره ومصير مجتمعه ، ومع هذا الإيمان وهذه القناعة لا يمكن أن يكون الإنسان مصدراً للتحرك والتغيير في حياته الفردية والاجتماعية .
ولذلك ، فإنّ الإيمان بالحتمية ( التاريخية والفردية ) كان موضع تبنّي الأنظمة الاستبدادية في تاريخ الإسلام .
فإنّ هذا الإيمان يطوّع الناس للاستسلام السياسي ويروّضهم لقبول الظلم .
وقد كان بنو أُميّة يتبنون نظرية الجبر . يقول أبو هلال العسكري : إنّ معاوية أوّل من زعم أنّ الله يريد أفعال العباد كلّها (١) ولما اعترض عبد الله ابن عمر علىٰ معاوية في تنصيب ابنه يزيد خليفة من بعده . قال له معاوية : ( إنّي أحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعىٰ في تفريق ملأهم ، وأن تسفك دماءهم ، وإنّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء ، وليس للعباد خيرة من أمرهم ) (٢) .
________________
(١) الأوائل ، لأبي هلال العسكري ٢ : ١٢٥ .
(٢) الإمامة والسياسة ، لابن قتيبة ١ : ٢١٠ تحقيق شيري ـ بيروت ١٩٩٠ م .