قد يتصور البعض أنّ الله تعالىٰ أبدع نظام القضاء والقدر في الكون ، وفي حياة الإنسان وانفصل عنه بعد ذلك ويجري ويتحرك هذا النظام في الكون والمجتمع كما يتحرك ويعمل المعمل الذي أنشأه المهندس الذي صمّمه وصنعه من دون حاجة إلىٰ حضوره هو في تشغيله وحركته . والكون كذلك يجري بموجب نظام القضاء والقدر الذي أبدعه الله تعالىٰ غير أنّ ارتباط هذا النظام كان بالله تعالىٰ في مرحلة الحدوث ثمّ انفصل عنه تعالىٰ بعد ذلك واستقل .
وكذلك الإنسان يختار ويعمل في دائرة نظام القضاء والقدر مستقلاً عن إرادة الله تعالىٰ ومشيئته ، وإن كان هذا النظام من إرادة الله ومشيئته في حال حدوثه وخلقه وهو تصور قديم لليهود في انقطاع سلطان الله ونفوذه في الكون بعد أن خلق الكون ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) ( المائدة ٥ : ٦٤ ) .
والتصور القرآني يختلف اختلافاً جوهرياً عن التصور المتقدّم ويتلخّص هذا التصور : في قوله تعالىٰ : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، وفي أنّ الله هو الحي القيّوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ولا تنقطع قيمومته عن هذا الكون إطلاقاً . إذن هذا النظام يجري في الكون والمجتمع بإرادة الله تعالىٰ ومشيئته ، ولا ينفصل الإنسان ولا الكون عن إرادة الله ومشيئته لحظة واحدة .
حتىٰ أنّ مشيئة
الإنسان تجري بمشيئة الله . يقول تعالىٰ ( وَمَا تَشَاءُونَ