وكما نفذ الإنسان من أقطار السماوات بسلطان العلم منذ سنة ١٩٥٧ ، كذلك نفذ الإنسان من أقطار الأرض في النصف الآخر من القرن العشرين ، وسبر أعماق المحيطات ووصل فيها إلى عمق ١٠ كلم تقريبا ، وحفر في قشرة الأرض الصلبة بضعة عشر كيلومترا. إلا أنه يبقى أيضا في نفاذه من أقطار الأرض محدودا ، فشعاع الأرض أي المسافة من سطحها إلى مركزها هي ٦٣٧٥ كلم. وفي جوف الأرض شواظ من نار ونحاس أين منهما شواظ الفضاء الخارجي ، فالبراكين المشتعلة والزلازل المدمرة تعطي فكرة عما ينتظر الإنسان وآلته إذا تجاوز الحدود في سبر أقطار الأرض مصدقا لقوله تعالى : ( يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ ) ( الرحمن : ٣٥ ).
تعليق
رأى كثير من المفسرين ممن نجلّ ونحترم ، في الآيتين الكريمتين أعلاه ، مشهدا من مشاهد يوم القيامة ، فقد كتب ابن كثير : « معنى الآية أنكم لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره ، بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه ، أينما ذهبتم أحيط بكم فلا يقدر أحد على الذهاب إلا بسلطان ، أي بأمر الله وإرادته ». وهذا التفسير هو وجه من وجوه الآيتين الكريمتين أعلاه ، يؤيده قوله تعالى على لسان مؤمن بني فرعون منذرا قومه : ( وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) ( غافر : ٣٢ ، ٣٣ ). كما أن القول بأن الآيتين الكريمتين هما نبأ من القرآن الكريم أن الإنسان سينفذ يوما ما من أقطار السماوات والأرض هو وجه آخر من معانيهما ، استنادا إلى قوله تعالى أيضا : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) ( الانشقاق : ١٩ ). إلا أن هذا لا يمنعنا دائما من القول : الله أعلم بتأويل كلماته ، فلكل آية عدا المحكم ، معان عدة ، والاختلاف في فهم بعض الآيات الكريمة لا يتعارض مع احترام ما جاء عن كل ذي علم من المفسرين من الأقدمين والمحدثين.