لأن العلم لم يكشف مضامينها إلا متأخرا بعد قرون من التنزيل. وتبقى آيات قسم كثيرة لم يكشف العلم تأويلها بعد ، والواجب يلزمنا اليوم بالتوقف والشرح العلمي المطوّل مع آيات القسم التي تيسّر لنا الاطلاع على شيء من مضمونها العلمي. ونبدأ بالشرح المبسّط لمعاني قوله تعالى : ( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ).
في معاجم اللغة أن « البروج » جمع « برج » ، وهو البناء العظيم ، فهو إذن كل تجمّع للنجوم وليس فقط منازل الشمس والقمر والكواكب بالنسبة للنجوم ، وهي اثنا عشر تجمّعا من النجوم ، سمّيت بالبروج (١) معروفة منذ القدم ، تسير الشمس في كل برج منها شهرا ، ويسير القمر في كل منها يومين وثلث يوم. وفي الشرح العلمي المبسّط عن تجمعات النجوم كما كشفه علم الفلك في القرن العشرين يجد المسلم فكرة عامة عن بروج السماء التي أقسم المولى بها وأسمى سورة من كتابه الكريم باسمها.
عند ما نظر « غاليله » إلى السماء من خلال أول منظار بناه بنفسه في سنة ١٦٠٩ ، رأى ما أذهله في الكون. وخلال أربعة قرون من هذا التاريخ بنى الإنسان مراصد متطورة كمراصد جبل « بالومار » ( Palomar ) و « كيت بيك » ( PeakKitt ) في الولايات المتحدة ، ومرصد جبل « سميرودريكي » ( Semirodriki ) في القوقاز ، ولا يزال علماء الفلك يكتشفون من خلالها كل يوم ما يذهل في هذا الكون الفسيح. فالإنسانية ، كما قال العالم « بيكر » ( Piker ) ، لن تنتهي من سبر أغوار الكون ، وهي لن تعرف من الكون إلا مقدار ما نعرفه عن نقطة ماء في محيط ؛ أو كما قال « نيوتن » ، مكتشف مبدأ الجاذبية منذ ثلاثة قرون ونيّف : « لست أدري كيف أبدو في نظر العالم ، ولكني في نظر نفسي أبدو كما لو كنت غلاما يلعب على شاطئ البحر
__________________
(١) الحمل ـ الثور ـ الجوزاء ـ السرطان ـ الأسد ـ السنبلة ـ الميزان ـ العقرب ـ القوس ـ الجدي ـ الدلو ـ الحوت.