أهلا لها كنت متفكرا مرددا بين قتالهم بلا أعوان وبين معاينة الخلق على جهالة وضلالة وشدة.
يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه .. يقال : هرم ـ كفرح ـ أي بلغ أقصى الكبر (١) ، والشيب ـ بالفتح ـ بياض الشعر (٢) ، والكدح : الكد والعمل والسعي (٣) ، والجمل الثلاثة أوصاف للطخية (٤) العمياء ، وإيجابها لهرم الكبير وشيب الصغير إما لكثرة الشدائد فيها ، فإنها مما يسرع بالهرم والشيب ، أو لطول مدتها وتمادي أيامها ولياليها ، أو للأمرين جميعا ، وعلى الوجهين الأولين فسر قوله تعالى : ( يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (٥). وكدح المؤمن يمكن أن يراد به لازمه أعني التعب ومقاساة الشدة في الوصول إلى حقه ..
وقيل : يسعى فلا يصل إلى حقه ، فالكدح بمعناه.
وقيل : المراد به أن المؤمن المجتهد في الذب عن الحق والأمر بالمعروف يسعى فيه ويكد ويقاسي الشدائد حتى يموت.
وفي رواية الشيخ (٦) والطبرسي (٧) :
يرضع فيها الصغير ويدب فيها الكبير .. وهو كناية عن طول المدة ـ أيضا ـ أي يمتد إلى أن يدب كبيرا من كان يرضع صغيرا ، يقال : دب يدب دبيبا : أي مشى على هنيئة (٨).
فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق
__________________
(١) صرح بذلك في لسان العرب ١٢ ـ ٦٠٧ ، والقاموس ٤ ـ ١٨٩.
(٢) كما جاء في مجمع البحرين ٢ ـ ٩٥ ، والصحاح ١ ـ ١٥٩ ، وغيرهما.
(٣) كذا قال في مجمع البحرين ٢ ـ ٤٠٦ ، والصحاح ١ ـ ٣٩٨.
(٤) في ( ك ) : المطخية.
(٥) المزمل : ١٧.
(٦) أمالي الشيخ الطوسي ١ ـ ٣٨٢ وفيه : ضيع فيها الصغير و .. إلى آخره.
(٧) الاحتجاج : ١٩١ [ النجف ١ ـ ٢٨٣ ] وفيه : يشيب فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ..
(٨) قاله في القاموس ١ ـ ٦٤ ، ولسان العرب ١ ـ ٣٦٩. وفي ( ك ) : هينته.
أقول : الهنيئة : التؤدة والرفق ، انظر : القاموس ٤ ـ ٢٧٨ و ٣ ـ ٣٨٤.