المجلس الرابع : في الجلوس حزناً على الموتى
لا ريب في أنّ النبي صلىاللهعليهوآله حزن حزناً شديداً على شيخ الأباطح وبيضة البلد ، عمّه وكافله أبي طالب ، وعلى صدّيقته الكبرى امّ المؤمنين ، وقد ماتا في عام واحد ، فسماه النبي صلىاللهعليهوآله « عام الحزن » ، ولزم بيته (١) وأقلّ من الخروج حزناً عليهما ، وكان إذا تهجّمت عليه قريش يندب عمّه فيقول : « يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك » (٢).
وصحّ جلوسه في المسجد حزناً على ابن عمّه جعفر وصاحبيه زيد وابن رواحة. (٣)
وصحّ أيضاً أنه حزن حزناً شديداً ، لم ير أشدّ منه حين قتل القرّاء من أصحابه وقنت شهراً يستغفر لهم ، ويدعو على قاتليهم في قنوته.
والعقل يحكم برجحان الجلوس حزناً على فقد المصلحين من أهل الحفائظ والأيادي المشكورة ، لأنّ تمييزهم بذلك يكون سبباً في تنشيط أمثالهم ، وأداء حقّهم بعد موتهم ، ويكون داعياً إلى كثرة الناسجين على منوالهم.
__________________
١ ـ انظر : السيرة النبويّة ١ : ١٠٨ ، الكامل في التاريخ ١ : ٤٦٢ ، السيرة الحلبية ١ : ٤٦٢ باب وفاة أبي طالب وخديجة.
٢ ـ السيرة النبويّة ١ : ١٠٨.
٣ ـ قال رحمهالله : والحديث هذا ثابت في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ص ١٥٤ من الجزء الأوّل من صحيح البخاري ، وفي باب التشديد في النياحة ص ٣٤٥ من الجزء الأوّل من صحيح مسلم ، وثابت في صحيح أبي داود أيضاً.