[ المجلس الرابع والعشرون ]
ذكر الزبير بن بكّار ، عن محمد بن الحسن المخزومي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي وجرة قال :
لمّا حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية حرب القادسية ، ومعها بنوها أربعة رجال ، فقالت لهم من الليل :
يا بني إنّكم اسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، ووالله الذي لا إله إلا هو انّكم لبنو رجل واحد ، كما انّكم بنوا امرأة واحدة ، ما خنت أباكم ، ولا فضحت خالكم ، ولا هجنت حسبكم ، ولا غيّرت نسبكم ، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل ، في حرب الكافرين ، واعلموا أنّ الدار الباقية ، خير من الدار الفانية ، يقول الله تعالى : « يا أيّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا الله لعلّكم تفلحون » (١) ، فإذا أصبحتم غداً سالمين ان شاء الله تعالى ، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها ، وأضرمت لظى عن سياقها ، وجلّلت على أرواقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها ، تظفروا بالغنم والكرامة ، في دار الخلد والمقامة.
فخرج بنوها قابلين لنصحها ، عازمين على قولها ، فلمّا أضاء لهم الصبح ، باكروا مراكزهم وأنشأ أوّلهم يقول :
__________________
١ ـ سورة آل عمران : ٢٠٠.