إن شاء الله تعالى.
وهذا في الحقيقة تسليم لما ذكره السيد رضياللهعنه من أنه لا يخرج هذا الكلام من أن يكون طعنا على أبي بكر إلا (١) بأن يكون طعنا على عمر.
ثم قال ابن أبي الحديد (٢) : وقول المرتضى : قد يتفق من ظهور فضل غير أبي بكر ، وخوف الفتنة ما اتفق لأبي بكر فلا يستحق القتل ، فإن لقائل أن يقول : إن عمر لم يخاطب بهذا إلا أهل عصره ، وكان يذهب إلى أنه ليس فيهم كأبي بكر ، ولا من يحتمل له أن يبايع فلتة كما احتمل ذلك لأبي بكر ، فإن اتفق أن يكون في عصر آخر بعد عصره من يظهر فضله ، ويكون في زمانه كأبي بكر في زمانه فهو غير داخل في نهي عمر وتحريمه.
ويرد عليه ظاهر (٣) مثل هذا الخطاب عمومه لما بعد عصر الخطاب ، ولذلك لم يخصص أحد ما ورد في الأخبار من الأوامر والنواهي بزمان دون آخر.
ولو فرضنا اختصاص الحكم بأهل ذلك العصر نقول : من أين كان يعلم عمر أن مدة خلافته ـ والعياذ بالله ـ لا يمتد حينا من الدهر يظهر للناس من فضل رجل من أهل ذلك العصر مثل ما ظهر لأبي بكر حتى لا يستحق من دعا إلى بيعته القتل ، فإن ظهور الفضل الذي زعمه لأبي بكر لم يكن ثابتا له في جميع عمره ، بل إنما توهمه فيه من توهم بعد حين وزمان ، ولم يكن عمر خطب بهذه (٤) الخطبة عند علمه بموته حتى يعلم أنه ليس في أهل العصر من تمد إليه الأعناق مثل أبي بكر فإنه خطب بها أول جمعة دخل المدينة بعد انصرافه من الحج ، ولم يكن طعنه أبو لؤلؤة حتى يعلم أنه سيموت ولا يبقى زمانا يمكن فيه ظهور فضل رجل من أهل العصر فكان اللائق أن يقيد كلامه ببعض القيود ولا يهمل ذكر الشروط.
__________________
(١) كلمة : إلا ، هنا عاطفة.
(٢) في شرحه على النهج ٢ ـ ٣٧ ، بتصرف.
(٣) في (س) : أن ظاهر .. ووضع على : أن ، رمز الاستظهار وهو كذلك.
(٤) في (س) : هذه ، من دون الباء.