في الحياة ، لعلمه بأنه كان حقا لأمير المؤمنين عليهالسلام وهو واضح ، ولعلهم لا ينكرون أن فهم أمير المؤمنين عليهالسلام مقدم على فهمهم.
وقد ظهر مما ذكرناه ضعف ما أجاب به الفخر الرازي في نهاية العقول (١) من أنه (٢) ذكر ذلك على سبيل التواضع وهضم النفس ، كما قال عليهالسلام : لا تفضلوني على يونس بن متى .. والفرق بين استقالة أبي بكر والخبر الذي رواه على تقدير صحته ـ واضح ، ولو أراد مجرد الاستشهاد على ورود الكلام للتواضع وهضم النفس ـ وهو أمر لا ينازع فيه ـ لكن لا يلزم منه صحة حمل كل كلام عليه.
وأما ما ذكره من جواز الاستقالة تشبيها بالقضاء ، فيرد عليه ، أنه إذا جازت الاستقالة من الإمام ولم يتعين عليه القيام بالأمر فلم لم يرض عثمان بالخلع مع أن القوم حصروه وتواعدوه (٣) بالقتل ، فقال : لا أخلع قميصا قمصنيه الله عز وجل (٤) ، وأصر على ذلك حتى قتل ، وقد جاز ـ بلا خلاف ـ إظهار كلمة الشرك وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير عند الخوف على النفس ، فدل ذلك الإصرار منه على أن الخلع أعظم من إظهار كلمة الكفر وغيره من الكبائر ، وأن ما أتى به أبو بكر كان أعظم مما ذكر على مذهب عثمان ، فما دفع به الطعن عن أبي بكر يوجب قدحا شنيعا في عثمان ، فإن تعريض النفس للقتل لأمر مباح لم يقل بجوازه أحد.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ المفيد قدس الله روحه (٥) ، حيث قال : على أن
__________________
(١) نهاية العقول : مخطوط.
(٢) في طبعة (س) هنا كلمة : رض ، وخط عليها في ( ك ).
(٣) في ( ك ) : توعدوه.
(٤) أو قال : سربلني الله. وقد ذكر شيخنا الأميني ـ رحمهالله ـ قصة الحصار مفصلا بمصادرها في غديره ٩ ـ ١٧٧ ـ ٢٠٣.
(٥) في الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ١٩٩.