سيموت كما فات (١) من قبله ضروري ، ولا (٢) يحتاج في مثل هذا إلى الآيات التي تلاها أبو بكر من قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٣) وما أشبهه.
وإن كان خلافه على الوجه الثاني ، فأول ما فيه أن هذا الخلاف لا يليق بما احتج به أبو بكر من قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٤) لأنه لم ينكر على هذا جواز الموت ، وإنما خالف في تقدمه وإن كان يجب أن يقول وأي (٥) حجة في هذه الآيات على من جوز عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم الموت في المستقبل وأنكره في هذه الحال.
وبعد ، فكيف دخلت الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق؟ ومن أين زعم أنه لا يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم؟ وكيف حمل معنى قوله تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (٦) ، وقوله تعالى : ( وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (٧) ، على أن ذلك لا يكون في المستقبل و (٨) بعد الوفاة ، وكيف لم يخطر هذا إلا لعمر وحده؟ ومعلوم أن ضعف الشبهة إنما يكون من ضعف الفكرة وقلة التأمل والبصيرة ، وكيف لم يوقن بموته لما رأى عليه أهل الإسلام من اعتقاد موته وما ركبهم من الحزن والكآبة لفقده؟ وهلا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد فلم يحتج إلى موقف ومعرف ، وقد كان يجب ـ إن كانت هذه شبهة ـ أن يقول في حال مرض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد رأى جزع أهله وأصحابه وخوفهم عليه الوفاة ، حتى يقول أسامة بن زيد ـ معتذرا من تباطئه عن
__________________
(١) جاءت في الشافي : مات ، بدلا من : فات ، وهو الظاهر.
(٢) في المصدر : وليس ، بدلا من : ولا.
(٣) الزمر : ٣٠.
(٤) الزمر : ٣٠.
(٥) في المصدر : وقد كان يجب أن يقول له وأي ..
(٦) الصف : ٩.
(٧) النور : ٥٥. ولم تجئ في المصدر : يعبدونني لا يشركون بي شيئا.
(٨) لا توجد الواو في الشافي.