وقال ابن أبي الحديد (١) ـ في تضاعيف كلامه ـ : ورد في الخبر أن عمر قال للمغيرة : ما أظن أبا بكرة كذب عليك .. وقال : تقديره أظنه لم يكذب عليك ، انتهى.
ولا يخفى أن هذا إسناد معصيته (٢) إلى عمر ، إذ لو لم يكن ذلك قذفا صريحا يوجب الحد فلا أقل يكون تعريضا يوجب التعزير ، بل كذلك قوله : ما رأيتك إلا خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء (٣)؟! وهل يقال مثل ذلك لمن ندب الله إلى درء الحد عنه وسمى في كتابه من رماه بالفجور كاذبا؟! ، ولو أراد عمر أن يعظ المغيرة أمكنه أن يذكره عذاب الله ويأمره (٤) بالاجتناب عن ارتكاب مساخطه على وجه لا يوجب قذفا ، ولا يتضمن تعريضا.
ثم إن ما ذكروه أن سبب حبه للمغيرة أنه كان واليا من قبله فلا وجه له ، بل لا يخفى على من تتبع أحوالهما أنه لم يكن الباعث على الحب وعلى جعله واليا إلا الاتفاق في النفاق والاشتراك في بغض أمير المؤمنين عليهالسلام (٥).
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢٣٨ [ ٣ ـ ١٦٢ ].
(٢) كذا ، والظاهر : معصية ـ بلا ضمير ـ.
(٣) الأغاني ١٤ ـ ١٤٧ ، ونقله في شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ٢٣٨ [ ٣ ـ ١٦٢ ].
(٤) في (س) : يأمر ـ بدون ضمير ـ.
(٥) كان المغيرة في مقدم أناس كانوا ينالون عليا أمير المؤمنين ٧. انظر : رسائل الجاحظ :٩٢ ، والأذكياء : ٩٨ ، ومسند أحمد بن حنبل ١ ـ ١٨٨ ، و ٤ ـ ٣٦٩ ، وغيرها.
قال ابن الجوزي : قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة ، فقام صعصعة بن صوحان فتكلم ، فقال المغيرة : أخرجوه ، فأقيموه على المصطبة فيلعن عليا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب .. إلى آخره.
وذكر إمام الحنابلة في مسنده ٤ ـ ٣٦٩ بإسناده ، قال : نال المغيرة بن شعبة من علي ، فقال زيد ابن أرقم : قد علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ينهى عن سب الموتى ، فلم تسب عليا وقد مات؟!!. وغيره من روايات الباب هناك.
ويكفي هذا وغيره في إثبات نفاقه أو كفره أو كونه ولد زنا لما ثبت بالنصوص الصريحة المستفيضة من أنه من أبغض عليا (ع) كان أحد هؤلاء الثلاثة.