المغالاة لا يقتضي جواز الارتجاع ، بل استلزام الحرمة له أيضا محل تأمل.
وقال ابن أبي الحديد (١) ـ أيضا ـ في شرح غريب ألفاظ عمر في حديثه أنه خطب ، فقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء ، فإن الرجل يغالي بصداق المرأة حتى يكون ذلك لها في قلبه عداوة ، يقول جشمت إليك عرق القربة (٢).
قال أبو عبيدة : معناه : تكلفت لك حتى عرقت عرق القربة ، وعرقها : سيلان مائها.
وقال الفخر الرازي في تفسيره (٣) : روي أن عمر بن الخطاب (٤) قال على المنبر : ألا لا تغالوا في مهور نسائكم ، فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب! الله يعطينا وأنت تمنعنا (٥) ، وتلت (٦) قوله تعالى : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) ... (٧)
__________________
والقاموس ٤ ـ ٥٨ ، والنهاية ٥ ـ ٧٢ ، وغيرها.
(١) في شرحه على النهج ١٢ ـ ١٣٤ ـ ١٣٥ بتصرف. وانظر : الفائق ٢ ـ ١٣٥ ، وغيرهما.
(٢) جاء في حاشية ( ك ) حاشية لم يعلم عليها ، ولعل محلها هنا ، وهي : قال الجوهري : قال الأصمعي : يقال : لقيت من فلان عرق القربة ، ومعناه : الشدة ، ولا أدري ما أصله. وقال غيره : العرق إنما هو للرجل لا للقربة. قال : وأصله : أن القرب إنما تحملها الإماء الزوافر ، ومن لا معين له ، وربما افتقر الرجل الكريم واحتاج إلى حملها بنفسه فيعرق لما يلحقه من المشقة والحياء من الناس ، فيقال : تجشمت لك عرق القربة.
وفي النهاية ، في حديث عمر : جشمت إليك عرق القربة .. أي تكلفت إليك وتعبت حتى عرقت كعرق القربة ، وعرقها سيلان مائها.
وقيل : أراد بعرق القربة عرق حاملها من ثقلها.
وقيل : أراد أني قصدتك وسافرت إليك واحتجت إلى عرق القربة وهو ماؤها.
وقيل : أراد تكلفت لك ما لم يبلغه أحد وما لا يكون ، لأن القربة لا تعرق. [ منه ( قدسسره ) ].
انظر : الصحاح ٤ ـ ١٥٢٢ ـ ١٥٢٣ ، والنهاية ٣ ـ ٢٢٠ ـ ٢٢١.
(٣) تفسير الفخر الرازي ١٠ ـ ١٣.
(٤) لا توجد في المصدر : بن الخطاب.
(٥) في التفسير : وأنت تمنع.
(٦) في (س) : ثلث ، وفي نسخة جاءت عليها : تلت. وفي المصدر : وتلت هذه الآية.
(٧) النساء : ٢٠.