ما رواه ابن أبي الحديد (١) وغيره (٢) : أن عمر كان يعس (٣) ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا فارتاب وتسور فوجد رجلا عنده امرأة وزق (٤) خمر ، فقال : يا عدو الله! أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته؟!. فقال : لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث ، قال الله : ( وَلا تَجَسَّسُوا ) (٥) وتجسست ، وقال : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) (٦) وقد تسورت ،
__________________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ١٢ ـ ١٧ ـ ١٨ [ ٣ ـ ٩٦ ] بتصرف ، وذكره في ١ ـ ١٨٢ [ ١ ـ ٦١ ] ولم يأت بذيله.
(٢) أورده محب الدين في الرياض ٢ ـ ٤٦ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ ـ ٩٣ ، وأوردها مفصلا وبشكل آخر في الفتوحات الإسلامية ٢ ـ ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، والكامل لابن الأثير ٤ ـ ٢٨ ، وكنز العمال ٢ ـ ١٦٧ ، وجاء بها في نفس المجلد : ١٤١ بشكل آخر عن السدي مقتصرا على الفقرة الأولى.
وجاء شهاب الدين الأبشيهي في المستطرف ٢ ـ ١١٥ باب ٦١ بقضية غير ما مرت في عس عمر ومواجهة من نبهه على الخطايا الثلاث.
ونقل في العقد الفريد ٣ ـ ٤١٦ قضية ثالثة في عسه ورجوعه نادما ، وفيه : هم بتأديبهم فقالوا :يا أمير المؤمنين! نهاك الله عن التجسس تجسست ، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت. فقال :هاتين بهاتين وانصرف وهو يقول : كل الناس أفقه منك يا عمر.
أقول : انظروا إلى مصالحة الخليفة مع الأمة في الخطإ وما تبعت هذه المصالحة من الآثار.
وأخذ بتكرارها ولكن نصح له عبد الرحمن بن عوف فامتنع ، وقد جاء في سنن البيهقي ٨ ـ ٣٣٤ ، والإصابة ١ ـ ٥٣١ ، والدر المنثور ٦ ـ ٩٣ ، والسيرة الحلبية ٣ ـ ٢٩٣ ، والفتوحات الإسلامية ٢ ـ ٤٧٢ : قال عمر : هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب ، فما ترى؟. قال عبد الرحمن : أرى قد أتينا ما نهى الله عنه : « ولا تجسسوا » فقد تجسسنا فانصرف عنهم عمر وتركهم.
(٣) قال في النهاية ٣ ـ ٢٣٦ : وفي حديث عمر : أنه كان يعس بالمدينة .. أي يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة.
(٤) قال في القاموس ٣ ـ ٢٤١ : الزق ـ بالكسر ـ : السقاء أو جلد يجز وينتف للشراب وغيره.
(٥) الحجرات : ١٢.
(٦) البقرة : ١٨٩.