وإنّما يوجبه فيما كان الأمران متباينين ، وكان الحكم المتعلّق به من الحكم الإلزامي ، لا ما إذا كانا من الأقل والأكثر بمعنى وجود القدر المتيقّن له من حيث الصّدق ؛ بحيث احتمل كون معنى اللّفظ منطبقا عليه ؛ ضرورة عدم حصول العلم بالمخالفة من الرّجوع إلى الأصل في المقدار الزّائد والأفراد المشكوكة ، أو كان الحكم المتعلّق بالموضوع المردّد مطلقا من الحكم الغير الإلزامي كما هو واضح.
ولا يتوهّم : أنّ هذا إنّما يصحّ بالنّسبة إلى موضوع واحد مردّد كان له قدر متيقّن ، لا موضوعات عديدة كثيرة ؛ فإنّ كثرة الموضوعات المردّدة توجب العلم الإجمالي بمخالفة التكليف المتعلّق بها على تقدير الرّجوع إلى الأصل في الأفراد المشكوكة لفساد التّوهم المزبور : بأنّ مجرّد ضمّ المجهولات بعضها ببعض ، لا يؤثّر في حصول العلم. وعلى هذا المعنى يمكن أن تنزّل العبارة المذكورة لشيخنا قدسسره وهو قوله : ( وإن لم يكن الكثرة ... إلى آخره ) (١) وإن كان الأظهر : حملها على ما ذكرنا أوّلا في معناها.
وثالثا : أنّ الانسداد المفروض إنّما يلاحظ مع فرض انفتاح باب العلم أو الظّن الخاصّ في الأحكام ، لا مع فرض انسداده ، وإلاّ لم يكن معنى لجعل الانسداد في اللّغات ، دليلا لحجيّة مطلق الظّن فيها ؛ إذ مع جريان دليل الانسداد في الأحكام يحكم بحجيّة مطلق الظّن المتعلّق بها ـ سواء حصل من الظّن بالوضع أو غيره ـ فالكلام إنّما هو في حجيّة الظّن في اللّغات ، مع قطع النّظر عن حجيّته في الأحكام على ما عرفت الكلام فيه في أوّل المسألة.
__________________
(١) نفس المصدر.