في انّ القبح والذم في التجري لم يتعلقا
بنفس الفعل ، بل بالفاعل مستقلا
والحاصل : انّ العقلاء قد يذمّون الشخص على فعله وانّه ذو فعل قبيح ، وقد يذمّون الشخص على شقاوته من غير أن يكون فعله قبيحا عندهم. ويعبّر عن الأوّل بالفارسي بقولهم : ( بد كاريست ) والثّاني بقولهم : ( بد آدميست ) وليس المراد من رجوع المذمّة إلى الفعل عدم تعلّقه بالفاعل ، كيف! والفعل القبيح ما يكون فاعله مستحقّا للذّم عند العقلاء ، بل المراد كون مذمّة الشخص مستندا إلى إتيانه بالفعل القبيح وان كان المحركة له اليه وجود صفة الشقاوة فيه أيضا ، فهو أيضا يكشف عن وجود صفة الشقاوة فيه لا محالة ، وإلاّ لم يقدم على الاتيان بالفعل القبيح إلاّ أن للذّمّ تعلّقا بالفعل أيضا.
وهذا بخلاف القسم الثّاني ؛ فانّ الذم فيه لا تعلّق له بالفعل أصلا ، فإذا لم يتعلّق الذّم والقبح بنفس الفعل ، بل بالفاعل مستقلا ، لم يكن معنى لجعل بناء العقلاء على المذمّه دليلا على استحقاق العقاب على الفعل الملازم لحرمته عند الشارع ، كما أنّ الذم بالفعل معلول لحرمته العقلائية ؛ ضرورة أنّ الملازمة انّما تكون بين حرمة الفعل عند العقلاء وحرمته عند الحكيم ( تعالى ) لا بين مطلق مذمّة الشخص عندهم والحرمة ، كيف؟ وهو ممّا لا معنى له ولا يمكن أن يتفوّه به عاقل.
وممّا ذكرنا من البيان للمناقشة في الوجه الثّاني يظهر المناقشة في الوجه الثالث أيضا : لأنّا نمنع من حكم العقل بقبح التجري من حيث أنّه تجري حتى