وهذا هو المراد بقول شيخنا قدسسره في « الكتاب » : « وأمّا أصالة عدم تقدّم الكرّيّة ... إلى آخره » (١) فقد أراد ـ بعد بيان أن التقدّم ليس مما يجري فيه الأصل كما هو مقتضى ظاهر كلام الفاضل ـ أن المانع من جريان الأصل المذكور في المقام هو التعارض لا ما ذكره من الإثبات من جهة أخرى.
لأنا نقول : إجراء الأصل بالنسبة إلى وجود الكريّة قبل الملاقاة وفي زمان حدوثها لا يعارض بأصالة عدم وجود الملاقاة قبلها ، إلاّ بناء على الأصول المثبتة ليثبت بها كون الملاقاة بعدها ليحكم بالطهارة سيّما على ما أفاده شيخنا قدسسره : من لزوم إثبات سبق الكريّة في الحكم بعدم الانفعال ، وليس المقام إلاّ نظير ما لو علم بوقوع النجاسة في الماء وشكّ في أصل حدوث الكريّة قبله مع عدم العلم بالكرّيّة أصلا ، فكأن شيخنا قدسسره في المقام أغمض عمّا بنى عليه الأمر ، وعن التحقيق الذي عنده : من نفي اعتبار الأصول المثبتة ، وجرى الكلام على ما عليه بناء الأكثر : من اعتبارها من حيث ابتناء الأصول عندهم على الظّنّ لا التعبّد.
فقد تبيّن ممّا ذكرنا : أن مقتضى القاعدة في هذا القسم هو الوجه الثاني ، كما أن مقتضاها عند العلم بتوارد الحدث والطهارة ، أو المطهّر والمنجّس على المحلّ مع الشّكّ في التقدّم والتأخّر الحكم بلزوم التطهير من جهة قاعدة الشغل على ما فصّلناه في كتاب الطهارة من الفقه.
__________________
(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٥٣.