وأمّا القسم الثاني : فالحكم فيه هو الحكم في القسم الأوّل على القول بكون التقارن وجوديّا وعدم كونه واسطة خفيّة ، أو القول باعتبار سبق الكريّة في الاعتصام. وأمّا على القول بعدم اعتبار سبقه وكونه عدميّا ، وهو مجرّد عدم تقدّم أحد الحادثين على الآخر ، أو وجوديّا مع كونه واسطة خفيّة ، فحكمه تغاير الحكم في القسم الأوّل ، فيحكم فيه بالطهارة. نظير ما لو علم بتقارنهما ولعلّه الوجه فيما اختاره الشيخ قدسسره في « الفصول » : من إثبات التقارن بالأصل في الفرض والحكم بالطهارة ، مع مصيره إلى عدم اعتبار الأصول المثبتة (١). وقد أشار إليه شيخنا قدسسره في « الكتاب » بقوله : « وقد يفصّل ... إلى آخر ما ذكره » (٢) فإن ظاهره كون التقارن أمرا عدميّا وإن كان خلاف ما يقتضيه التحقيق عندنا ، وإن تأملنا في كونه واسطة خفيّة أيضا. ولعلّنا نتكلّم في ذلك في الجزء الثالث من التعليقة.
فقد تحصّل ممّا ذكرنا كلّه : الوجه فيما استظهره شيخنا من المشهور : من الحكم بالطهارة في مجهولي التاريخ من حيث إنّه لا يمكن نفي الكريّة في زمان الملاقاة وقبله ؛ لمكان المعارضة ، فلا يعلم بوجود سبب التنجّس للماء ؛ نظرا إلى كون السبب هي الملاقاة المقدّمة على الكريّة ، فيحكم بالطهارة لعدم العلم بوجود الرّافع لها. وهذا بخلاف ما لو تمّم الماء النجس كرّا بطاهر ؛ فإن الشكّ فيه في كفاية
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٣٦٥.
(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٥٣.