في نفسها مهمة في حد ذاتها ، وإن كانت دون مصلحة الجهر والقصر ، وإنّما لم يؤمر بها لأجل أنّه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الأكمل والأتم. وأمّا الحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الاعادة فانّها بلا فائدة ، إذ مع استيفاء تلك المصلحة لا يبقى مجال لاستيفاء المصلحة التي كانت في المأمور بها ولذا لو أتى بها في موضع الآخر جهلاً مع تمكنه من التعلم فقد قصّر ولو علم بعده وقد وسع الوقت. فانقدح أنّه لا يتمكن من صلاة القصر صحيحة بعد فعل صلاة الاتمام ، ولا من الجهر كذلك بعد فعل صلاة الاخفات ، وإن كان الوقت باقياً.
إن قلت : على هذا يكون كل منهما في موضع الآخر سبباً لتفويت الواجب فعلاً ، وما هو سبب لتفويت الواجب كذلك حرام ، وحرمة العبادة موجبة لفسادها بلا كلام.
قلت : ليس سبباً لذلك ، غايته أنّه يكون مضاداً له ، وقد حققنا في محلّه أنّ الضد وعدم ضدّه متلازمان ليس بينهما توقف أصلاً.
لا يقال : على هذا فلو صلّى تماماً أو صلّى إخفاتاً في موضع القصر والجهر مع العلم بوجوبهما في موضعهما لكانت صلاته صحيحة وإن عوقب على مخالفة الأمر بالقصر أو الجهر.
فانّه يقال : لا بأس بالقول به لو دلّ دليل على أنّها تكون مشتملة على المصلحة ولو مع العلم ، لاحتمال اختصاص أن يكون كذلك في صورة الجهل ، ولا بعد أصلاً في اختلاف الحال فيها باختلاف حالتي العلم بوجوب شيء والجهل به كما لا يخفى (١).
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٧٨.