المتزاحمين متساويين لا مناص من القول بالتخيير ـ مطلقاً ـ من دون فرق بين أن يكونا عرضيين أو طوليين.
والسر في ذلك ما عرفت من أنّ القول بالتخيير هنا عقلاً يرتكز على القول بالترتب ، وقد ذكرنا أنّه لا فرق فيه بين أن يكون من طرف واحد ، كما إذا كان أحدهما أهم من الآخر ، وأن يكون من طرفين ، كما إذا كانا متساويين ، وقد سبق أنّ معنى الترتب عند التحليل عبارة عن تقييد إطلاق التكليف بأحدهما بترك امتثال التكليف بالآخر ، وعدم الاتيان بمتعلقه خارجاً في فرض كون أحدهما أهم من الآخر ، وتقييد اطلاق التكليف بكل منهما بترك امتثال الآخر وعدم الاتيان بمتعلقه في فرض كونهما متساويين.
ومن المعلوم أنّ هذا التقييد والاشتراط ليس ناشئاً فعلاً بحكم الشرع أو العقل ، بل هو نتيجة اشتراط التكاليف من الأوّل بالقدرة ، ومن هنا قلنا إنّ هذا التخيير ليس معناه تبديل الوجوب التعييني بالتخييري ، بل كل منهما باقٍ على وجوبه التعييني ، غاية الأمر نرفع اليد عن إطلاق وجوب كل منهما بتقييده بعدم الاتيان بمتعلق الآخر ، بل معناه اختيار المكلف في إعمال قدرته في امتثال هذا أو ذاك ، باعتبار أنّ القدرة الواحدة لا تفي بامتثال كليهما معاً ، ولا يفرق في ذلك بين كونهما عرضيين أو طوليين ، غاية الأمر على الثاني لا بدّ من الالتزام بجواز الشرط المتأخر ، حيث إنّ شرطية عدم الاتيان بالواجب المتأخر في ظرفه لفعلية وجوب المتقدم لا تعقل إلاّعلى هذا القول ، ولكن قد تقدّم أنّ الصحيح هو جوازه ، وأ نّه لا مانع منه أصلاً ، بل لا مناص من الالتزام به في بعض الموارد ، كما مرّ بشكل واضح ، وعليه فلا فرق بين كونهما عرضيين أو طوليين ، فعلى كلا التقديرين لا بدّ من الالتزام بالترتب ، وبثبوت كلا التكليفين على شكل اشتراط ثبوت كل منهما بعدم الاتيان بمتعلق الآخر في ظرفه.