مثلاً الأخذ بالدليل الدال على وجوب القصر في المسألة المزبورة ، أو على وجوب الجمعة في يوم الجمعة ، لا محالة موجب لرفع اليد عن الدليل الدال على وجوب التمام أو على وجوب الظهر ، والأخذ بالدليل الدال على جواز الجمع بين فاطميتين كما هو المشهور يوجب لا محالة رفع اليد عن الدليل الدال على عدم جواز الجمع بينهما ، وهكذا.
ومن ذلك يظهر أنّ التعارض بين الدليلين لا يتوقف على تحقق موضوعهما في الخارج ، بل ثبوت كل منهما بنحو القضيّة الحقيقية يستلزم عدم ثبوت الآخر كذلك وكذبه في الواقع ومقام الجعل ، سواء أتحقق موضوعهما في الخارج أم لم يتحقق ، فانّ ملاك التعارض وأساسه الموضوعي كما عرفت هو عدم إمكان جعل كلا الحكمين معاً وثبوته في مرحلة الجعل والتشريع إمّا ذاتاً أو من ناحية العلم الخارجي ، بل قد يحتمل عدم ثبوت كليهما معاً كما لا يخفى ، وكيف كان فعلى هذا الأساس ثبوت كل منهما على نحو القضيّة الحقيقية يستلزم لا محالة عدم ثبوت الآخر كذلك.
وقد تحصّل مما ذكرناه أنّ منشأ التعارض أحد أمرين ولا ثالث لهما :
الأوّل : المناقضة أو المضادة بين نفس مدلولي الدليلين ، وهذا هو الكثير في الأدلة والروايات الواردة في أبواب الفقه.
الثاني : العلم الخارجي بوحدة الحكم في الواقع ومقام الجعل وعدم مطابقة أحدهما للواقع.
وأمّا الجهة الثالثة : وهي نقطة امتياز كبرى باب التزاحم عن كبرى باب التعارض ، فقد اتّضح حالها من بيان حقيقة التزاحم والتعارض ، وملخصه : أنّ النقطة الأساسية في كل من البابين تخالف ما هو النقطة الأساسية في الآخر.