الامتثال ، مثلاً الصلاة قصراً إذا لم تكن واجبة في حال عصيانها ، فلا محالة لا تكون واجبةً في حال امتثالها أيضاً ، ضرورة أنّها إمّا أن تكون في الواقع واجبة أو ليست بواجبة فيه فلا ثالث لهما. وعلى الأوّل فهي واجبة في كلتا الحالتين ، وعلى الثاني فهي غير واجبة كذلك ، لوضوح أنّه لا يعقل أن يكون وجوبها مشروطاً بامتثالها والاتيان بها في الخارج ، فانّ مردّه إلى طلب الحاصل واشتراط الأمر بالشيء بوجوده وهو غير معقول ، فالنتيجة أنّ هذه النظرية لا ترجع إلى معنىً محصّل أصلاً.
المذهب الثاني : هو أن يكون كل من الطرفين أو الأطراف واجباً تعييناً ومتعلقاً للارادة ، ولكن يسقط وجوب كل منهما بفعل الآخر ، فيكون مردّ هذا القول إلى اشتراط وجوب كل من الطرفين أو الأطراف بعدم الاتيان بالآخر.
وقد صحح هذه النظرية بعض مشايخنا المحققين قدسسرهم (١) بأحد نحوين :
الأوّل : أن يفرض أنّ لكل واحد منها مصلحة ملزمة قائمة به ، مثلاً للصوم مصلحة إلزامية قائمة بنفسه وتقتضي إيجابه ، وكذا للعتق والاطعام ، فالقائم بها مصالح متباينة لا متقابلة بحيث لا يمكن الجمع بينها ، وبما أنّ تلك المصالح لزومية فلذا أوجب الشارع الجميع ، ولكن مصلحة التسهيل والارفاق تقتضي تجويز الشارع ترك كل منها إلى بدل ، فلذا أجاز ترك كل منها عند الاتيان بالآخر وامتثال أمره ، ونتيجة ذلك هي أنّه إذا ترك الكل فلا يعاقب إلاّعلى ترك ما لا يجوز تركه ، وهو ليس إلاّ الواحد منها ، وإذا فعل الكل دفعة واحدة كان ممتثلاً بالاضافة إلى الجميع ، واستشهد على ذلك بأ نّه ربّما لا يكون إرفاق
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٢٧٠