وإن شئت فقل : إنّ صحة العبادة ترتكز على ركيزتين :
الاولى : تحقق قصد القربة.
الثانية : كون الفعل في نفسه محبوباً وقابلاً للتقرب به.
ومع انتفاء إحدى هاتين الركيزتين لا تقع العبادة صحيحة ، ضرورة أنّ الفعل إذا لم يكن محبوباً في نفسه ، فلا يمكن التقرب به فضلاً عن كونه مبغوضاً في الواقع ، أو لو كان محبوباً كذلك ولكن المكلف لم يقصد القربة ، فحينئذ تقع العبادة فاسدة ، وفيما نحن فيه وإن أمكن تحقق قصد القربة من المكلف باعتبار أنّه جاهل بالحرمة ، إلاّ أنّ المجمع لمتعلقي الأمر والنهي في مورد الاجتماع كالصلاة في الأرض المغصوبة على القول بالامتناع ووحدة المجمع وتقديم جانب الحرمة على جانب الوجوب لا يكون محبوباً في نفسه وصالحاً للتقرب به ، لتمحّضه في الحرمة والمبغوضية في الواقع.
ومن المعلوم أنّ الحرام لا يمكن أن يقع مصداقاً للواجب ، كما هو الحال في بقية موارد التعارض بالعموم من وجه ، مثل ما إذا فرض قيام الدليل على وجوب إكرام العالم ، وفرض قيامه أيضاً على حرمة إكرام الفاسق ، فتقع المعارضة بينهما في مورد الاجتماع وهو العالم الفاسق ، حيث إنّ مقتضى إطلاق الدليل الأوّل وجوب إكرامه ، ومقتضى إطلاق الدليل الثاني حرمة إكرامه ، فعندئذ لو قدّمنا دليل الحرمة على دليل الوجوب في مورد الاجتماع لخرج مورد الاجتماع ـ وهو إكرام العالم الفاسق ـ عن كونه مصداقاً للواجب واقعاً ، سواء أكان المكلف عالماً بالحرمة أو بموضوعها أم كان جاهلاً بها كذلك عن قصور أو تقصير ، ضرورة أنّ الواقع لايتغير بواسطة جهل المكلف به والاعتقاد بخلافه ، لما ذكرناه غير مرّة من أنّ فعلية الأحكام في الواقع تابعة لفعلية موضوعاتها ، ولا دخل لعلم المكلف بها وجهله ، وهذا واضح.