هاتان النقطتان تحققت المزاحمة بينهما لا محالة ، وأمّا إذا انتفت إحداهما ، كما إذا لم يجعل الشارع إلاّ أحدهما دون الآخر ، أو كان المكلف قادراً على امتثال كليهما معاً فلا مزاحمة أصلاً.
وعلى أساس هذا البيان قد ظهر امور :
الأوّل : أنّ المزاحمة بين التكليفين إنّما تكون بالاضافة إلى من لم يقدر على الجمع بينهما في مقام الامتثال ، وأمّا مع القدرة عليه فلا مزاحمة بينهما أبداً ، بل كلا التكليفين يكون فعلياً من دون أيّة منافاة بينهما.
الثاني : أنّ التزاحم بين الحكمين إنّما هو في مرتبة متأخرة عن مرتبة جعلهما وهي مرتبة الامتثال وحكم العقل بلزومه ، ومن هنا قلنا إنّ في باب التزاحم لا تنافي في مقام الجعل أصلاً.
الثالث : أنّ ارتفاع أحد الحكمين في باب التزاحم وعدم فعليته مستند إلى ارتفاع موضوعه وعدم فعليته ، لا إلى شيء آخر مع بقاء موضوعه ليقع التنافي بينه وبين ذاك الشيء ، ولأجل ذلك يجري التزاحم بين الحكمين المستفادين من آيتين أو سنّتين قطعيتين ، وكذلك الحكم المستفاد من رواية والحكم المستفاد من آية من الكتاب أو سنّة قطعية ، بل لا مناص من تقديم الرواية على الكتاب أو السنّة القطعية في مقام المزاحمة إذا كانت واجدةً لإحدى مرجحات بابها.
لحدّ الآن قد تبيّن أنّ النقطة الرئيسية التي ينبثق منها التزاحم بين الحكمين بعد الفراغ من جعلهما إنّما هي عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال والفعلية ، وأمّا مع التمكن فلا مزاحمة أصلاً.
ولكن لشيخنا الاستاذ قدسسره (١) في المقام كلام ، وهو أنّ التزاحم قد
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٢