أقول : قد عرفت شطرا من الكلام فيما يتعلّق بالمقام في طيّ كلماتنا السّابقة عند التّكلّم في أقسام الاستصحاب باعتبار الأمور المأخوذة فيه ، ولا بأس في أن نتكلّم فيه بعض التّكلّم في المقام أيضا تبعا لشيخنا ( دام ظلّه ) لعلّ به يحصل توضيح المرام فنقول :
إنّ الثّابت أوّلا قد يكون من مقولة الموضوع ، وقد يكون من مقولة الحكم. وعلى الثّاني : قد يكون عقليّا ، وقد يكون شرعيّا. وعلى الثّاني : قد يكون مستكشفا عن عقليّ ، وقد لا يكون كذلك. لا كلام في جريان الاستصحاب في الأوّل وفي الثّاني من قسمي الأخير ، إلّا على إشكال يأتي دفعه وفي خروجهما عن محلّ الكلام في المقام ، وإنّما الكلام في جريان الاستصحاب في الحكم العقلي وفي الحكم الشّرعي التّابع له المتّحد معه موضوعا المستند إليه في الاستكشاف.
ثمّ الكلام فيهما قد يقع : في جريان الاستصحاب في أنفسهما. وقد يقع : في
__________________
والحاصل : ان الملاك في جريان الإستصحاب هو صدق النّقض والإبقاء والتسامح من هدم الجهة لا ينافي كون المستصحب أمرا غير مجعول أو ممّا يستقلّ العقل بإدراكه فالتسامح العرفي جار في جميع الموارد ، ويكفي ذلك في صدق البقاء والنقض وإن لم يكن كذلك على الموازين العقليّة من جهة ما يتخيّل من اعتبار كلّ ما له دخل في الحكم قيدا للموضوع.
والحاصل : ان إدراك الحكم مرحلة مغايرة لمرحلة تشخيص الموضوع ، وكون الحكم مدركا بالعقل واستقلاله به لا ينافي مسامحة العرف في موضوعه ومخالفته لما هو الميزان في موضوع حكمه وكون المناط في جريان الأصل هو الميزان العرفي في الموضوعات ، ويشبه المقام ما يقال : انّ كون المسمّى شرعيّا لا ينافي كون التسمية عرفيّة ، فالصلاة وإن انتفت في نظر الشارع بانتفاء بعض شروطها أو أجزاءها إلّا أن العرف يحكم ببقاءها مسامحة » إنتهى.
أنظر محجّة العلماء : ٢ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧.