باب التّعبد واعتباره من باب الظّن.
بل أقول : بناء على هذا التّوهّم ينبغي القول بحكومة الاستصحاب على أصالة الصّحة ، وإن قيل باعتبارها من باب الظّن واعتباره من باب التّعبّد ؛ لأنّه قضيّة تسبّب الشّك في مجراها عن مجراه على ما عرفت في بيان حكومة أصالة الصّحة على أصالة الفساد على القول باعتبارها من باب الظّن ، واعتبار أصالة الصّحة من باب التّعبّد. ولعلّ إلى هذا الوجه استند من خصّ جريان أصالة الصّحة في العقود بصورة العلم بكمال المتعاقدين ونحوها كثاني المحقّقين فيما تقدّم من كلامه. وإن احتمل الاستناد إلى الوجه الثّالث ، وإن كان ظاهر ما يحكى عنه الاستناد إلى غيرهما : من عدم صدق العقد بدونه ، هذا ملخّص ما يقال في وجه حكومة الاستصحاب على القاعدة.
ولكنّك خبير بضعفه ؛ لأنّ أصالة الصّحة معيّنة ظاهريّة للموضوع من حيث ترتّب الصّحة عليه لا أنّها جارية في نفس الأثر والصّحة. وبعبارة أخرى : أصالة الصّحة تقتضي كون الفعل الموجود هو الفرد الصّحيح منه من حيث هو صحيح ، فإذا شكّ في كون العقد الصّادر صادرا عن بالغ أو غيره ، فيقضي بأنّه صادر عن البالغ من حيث الحكم بإفادته للنّقل والانتقال ، لا وجوب الحكم بصحّته وترتّب الأثر عليه نظير الأصل الحكمي ، فكما أنّ الاستصحاب يقتضي كونه عقدا صادرا من غير البالغ على الزّعم المذكور ومعيّن ظاهري لأحد المحتملين ، كذلك أصالة الصّحة يقتضي كونه صادرا من بالغ ومعيّنة للمحتمل الآخر ، فهما في مرتبة واحدة على الزّعم المذكور هذا كلّه. مضافا إلى ما ستعرف عن قريب : من فساد الزّعم المذكور وعدم صلاحيّة الاستصحاب لتعيين كون العقد صادرا عن غير البالغ.